غيمة العطاء والفكر ودقْ وبرَدْ – عبر الإمارات
ت + ت – الحجم الطبيعي
لحظة الإبداع في وجدان الشاعر لحظة نادرة، تماماً مثل لحظة الصيد لا يمكن أن تعود مرتين، ولذلك يُسارع إلى تسجيلها وصياغتها ضمن إحساسه المتوهج في قصيدة تمسك بهذه اللحظة النادرة وتجسّدها شعراً جميلاً يعبر عن روعة الإحساس بالفكرة وجمال التعبير عنها، وهو ما فعله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في هذه الأجواء الماطرة التي تبشّر بكل خير، فاقتنص من هذه اللحظات موقفاً أخويّاً رائعاً سجّل من خلاله عمق الإخاء الذي يربطه بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأبدع في كتابة قصيدة رقيقة نشرها على حسابه في «إنستغرام» بعنوان «وَدْق وبَرَد» لتكون هذه القصيدة خير شاهدٍ على رهافة إحساسه، وقدرته على التقاط الفكرة من أبسط المواقف، وصياغتها في قالب فنّي جميل بألفاظه وموسيقاه، وطبيعة الصورة الشعرية يشهد بكفاءته الشعرية، وصدق إحساسه الإنساني.
الفكرَهْ تبدا مثِلْ نفِّهْ إنزلتْ في مطَرْ
وسحايبْ الفكرْ مجراها كمجرىَ السَّحابْ
بهذه اللغة الواضحة الرقيقة يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه المقطوعة الشعرية العذبة، فيقرّر بلغة واثقة أنّ مبتدأ الفكرة في عقل الإنسان هو مثل قطرة المطر التي تنزل إلى الأرض وتستدعي بعدها ما وراءها من المطر الغزير، والشاعر المقتدر هو الذي يستثمر هذه اللحظة المواتية، ويخلق منها مناسبة يوظفها للتعبير عن مشاعره من موقفٍ ما، وهو ما حصل مع صاحب السمو الذي يتذوّق هذه اللحظات الجميلة في إيقاع الحياة، ويبدع تصوير الفكرة من خلال هذا التشبيه بالسحاب الذي يجري ولا يتوقف، فكذلك هي الأفكار مندفعة في طريقها لا بد من اعتراضها واقتناص واحدة منها، وتوظيفها في بناء قصيدة أو خاطرة بحيث تكون هي السبب والدافع للكتابة والإبداع.
ذكرني اليومْ هذا الجوْ وقتٍ عبَرْ
أشريهْ بالعمرْ لو ينباعْ وإلاَّ يجابْ
في هذا البيت يفصح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن سر هذا الشعور الجميل الذي تراءى له وهو يرى هذا المطر وهذا السحاب الذي لا يتوقف مثل حركة العمر، فرجعت به الذاكرة العامرة إلى أيامٍ خوالٍ كانت من أجمل أيام العمر، واستدعى القلب أوقاتاً كانت معمورة بالسعادة والهناء، وهي الأوقات التي لا يمكن استعادتها، ولو كان ذلك مستطاعاً لاشتراها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بالعمر وكل ما في اليد، فالحياة هي تلك الأوقات الرائعة التي عاشها الإنسان في أيام عطائه وشبابه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد صادق الحنين إلى الماضي بكل تفاصيله، وذاكرته متوهجة بكل لحظات المجد التي عاشها وهو يبني هذا الوطن ويرعى إنسانه، فلذلك ليس غريباً أن يبوح بمثل هذه المشاعر الصادقة التي تؤكد عمق إحساسه النبيل بالزمن ومسيرة الحياة.
ياغيمْ هوِّنْ علىَ قلبٍ يحسْ الإثَرْ
وإنتهْ عطاياكْ تشبِهْ عاليينْ الجنابْ
ولأن الشعر لا يحلو إلا بالمناجاة والنداء، فقد نادى الشاعر الكبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هذا الغيم المِعطاء طالباً منه أن يُهوّن من وقع الذكريات الجميلة على القلب الرقيق، فهو لا ينسى آثار الأحباب مهما باعدتهم الأيام فهو كما قال الشاعر القديم في وصف هذه اللحظات الرائعة:
أحبّ منازل الأحباب
إن غابوا وإن حضروا
وأسقيها دموع العين
إن لم يسقِها المطر
ثم خاطبه واصفاً إياه بالكرم في العطاء، وهو الكرم الذي يتشابه فيه الغيم مع أناسٍ رفيعي القدر والمنزلة في نفس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهو ما سيتم الإفصاح عنه
في البيت التالي:
ذكرتْ محمد ترىَ يمناهْ مثلِكْ بحَرْ
ويزيدْ معطاهْ عنْ معطاكْ مليونْ بابْ
هذه الغيمة الماطرة الكريمة ذكّرت شاعرنا الكبير بعضيده وسميّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فهو الكريم ابن الكريم الذي تعوّد الجود والعطاء، وما انقبضت يده عن الندى والسخاء، وهو في عطائه فوق السحاب بمليون ضعف، فالكرم من شيمته، وما خاب من قصده ولا انكسر من انتخاه.
ومنْ شافْ بوخالد ترىَ حظَّهْ بمحمد كبَرْ
وأمطارْ كفِّينْ محمد ماتمَلْ إنسكابْ
والسعيد السعيد من الناس من حظي برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فهو البحر الذي لا تُكدّره الدلاء، وهو الغيث الذي لا يملّ العطاء، سجايا ومناقب ورثها عن باني الوطن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسار عليها نهجاً في الحياة لا يحيد عنه، ولا يستبدله بسواه.
يافكرةٍ في ضميري كلما ينتثِرْ
ودقْ وبرَدْ تبتدي بي رحلةْ الإغترابْ
وللفكرة في وجدان الشاعر أوقات، لكن منظر المطر والبرّد يحركها حتى لو كانت كامنة، فحين يشاهد شاعرنا الكبير هذا المنظر الجميل الذي تستقبله النفس بالبشرى والفرح، تنثال عليه الذكريات ويسترجع ذلك الماضي الجميل الذي كان مثل الغيمة الماطرة ينتفع بها كل الناس، وتنثر خيراتها على البلاد والعباد.
ودامكْ تفكِّرْ فإنتهْ الفَذْ بينْ البشَرْ
وأنا بشَرْ غيرْأنِّي في الحقيقَهْ كتابْ
ثم كانت هذه الخاتمة الجليلة التي جاءت في ثوب الحكمة، حيث يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أنّ قيمة الإنسان الحقيقية هي في قدرته على التفكير النافذ في الأمور والأحداث، وتوظيف هذه الفكرة في اللحظة المناسبة، وبخصوص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فهو دائم الفكر، لا يتوقف عن صياغة الشعر الذي يعبّر عن قيمة اللحظة العابرة، فكأنّ شعره ونثره سِجلٌّ فاخر أو كتاب ثمين لهذه اللحظات الجميلة من لحظات الحياة.
تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز