“سوق النازحين”.. كيف تضامنت سنار السودانية مع ضحايا الحرب؟
لم يخب ظن علي، ونفدت بضاعته بشكل سريع بعد أن التف حوله الزبائن، وتمكن من جني مبالغ معقولة تعينه في توفير احتياجات عائلته.
ولم يمض وقت طويل حتى وجد علي نفسه وسط عشرات الفارين من نيران الحرب في الخرطوم، الذين أعجبوا بفكرته وآثروا العمل بجواره لكسب الرزق، عبر بيع الخضراوات والفواكه وبعض السلع الاستهلاكية، فتشكل ما سمي محليا “سوق النازحين”، الذي تعاطى معه السكان المحليون بصورة تعكس تضامنا واسعا، وصاروا يرتادونه على الدوام.
وخلال فترة وجيزة، حظي “سوق النازحين” بزخم كبير، وصار ذو شهرة واسعة ومعلما من معالم مدينة سنار، حيث ترتاده جميع الفئات الاجتماعية من السكان، بعضهم بدافع التضامن والوقوف مع ضحايا الحرب بشراء بضائعهم، وآخرين بغرض الفضول والتعرف على السوق الجديد ونشاطه.
ووصل إلى سنار 158 ألف نازح على الأقل وفق حصيلة للسلطات المحلية، يقيمون في مراكز إيواء مؤقتة ويعتمدون على مساعدات شحيحة تصلهم من السكان المحليين وجهات خيرية، في ظل غياب تام للمنظمات الدولية.
وأجبرت الظروف القاسية بعض الفارين على التسلل نحو سوق العمل، رغم ضيق الفرص.
فكرة السوق
يقول علي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”: “وصلت إلى مدينة سنار في نهاية شهر رمضان بعد اندلاع القتال في الخرطوم. أصبحت بلا عمل وعشت أياما صعبة، بعدها فكرت في دخول السوق والبحث عن عمل، فتمكنت من خلق علاقات مع تجار الخضراوات الذين ساعدوني في الحصول على رأس مال معقول، أهّلني لممارسة هذا النشاط”.
ويضيف: “في كل يوم يزداد دخلي وأصبحت أكسب مبالغ معقولة تعينني على توفير الاحتياجات المعيشية لعائلتي. يتعامل معي السكان بلطف ويحرصون على الشراء منا. رأينا تضامنا كبيرا وتعاطفا معنا لما تعرضنا له من معاناة بسبب الحرب”.
ويرتاد السكان في سنار “سوق النازحين” بغرض سماع روايات وأهوال الحرب من الفارين، حيث تتخلل التجارة نقاشات، والكل يحرص على رواية ما تعرض له في الخرطوم من مواقف بسبب الصراع.
تضامن واسع
ويقول يوسف جبجبة الذي يتفرش الأرض ببعض الخضراوات في سوق النازحين: “يحرص الناس هنا على سماع روايات الحرب، فنحن نحكيها لهم بشكل درامي”.
ويتابع في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هكذا تشكلت علاقاتنا مع الزبائن الذي يحرصون على شراء السلع منا لدعمنا”.
ويضيف: “لم نستطيع تحمل المعاناة بعد فرارانا إلى سنار، فكان العيش مستحيلا بلا عمل، لذا قررت دخول السوق وقد وُفقت في ذلك. بعد شهر من العمل تمكنت من استئجار منزل لعائلتي، وأوفر كل الاحتياجات المعيشية اللازمة لهم من خلال عملي المتواضع هذا”.
من جانب آخر، يقول الفاضل حسين لموقع “سكاي نيوز عربية”: “كان لا بد من البحث عن عمل، فلا يمكن أن نجلس في مراكز إيواء غير مهيأة ننتظر مساعد شحيحة من الخيرين. كان هدفي الاعتماد على نفسي قدر المستطاع طالما أن سنار مدينة آمنة وتضج بالحياة”.
ويستطرد: “لم يكن الكسب مثاليا من عملي في بيع الخضراوات، لكنه يغطي جزءا من احتياجاتي المعيشية، فهذا أحسن حالا من أن تكون عاطلا في ظل ظروف استثنائية فرضتها الحرب”.
ويختتم الرجل حديثه قائلا: “يجب أن نتماشى مع أقدارنا لحين توقف الصراع ونعود إلى منازلنا في الخرطوم”.