3 عوامل أساسية تُفاقم أزمة تكلفة المعيشة في بريطانيا
“إن البريطانيين بحاجة إلى قبول أنهم أسوأ حالاً”.. تعليق لكبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هيو بيل، وهو التعليق الذي أثار وتراً حساساً بشكل واضح، بالنظر إلى طبيعة الأزمات التي تلاحق البريطانيين عموماً.
يعكس ذلك التصريح الصادم حقيقة الوضع في بريطانيا، وأزمة تكفلة المعيشة التي تثقل كاهل المواطنين وتحمّلهم مزيداً من الضغوطات المتزايدة والمتزامنة في آن واحد، في ضوء تبعات عديد من الصدمات التي مُني بها الاقتصاد البريطاني، بدءاً من تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووصولاً إلى النتائج المترتبة على الحرب في أوكرانيا وموقف لندن منها، مروراً بأزمة جائحة كورونا وانعكاساتها الاقتصادية الشديدة.
في المملكة المتحدة، حيث معدلات التضخم الأعلى في غرب أوروبا، يعيش المواطنون أزمات غير مسبوقة منذ عقود طويلة، لا سيما وأن “لندن وهي مستورد صاف للغاز الطبيعي، واجهت مشكلة إضافية تتمثل في كونها مستورد كبير للغذاء، إذ تستورد بريطانيا نحو نصف طعامها، والذي ارتفعت أسعاره عالميا نتيجة لتبعات الأزمة في أوكرانيا”، طبقاً لتعليقات بيل في لقاء إذاعي بجامعة كولومبيا.
هذا الأمر عزز من ارتفاع التضخم في البلاد، و”إذا ارتفعت أسعار المنتجات التي نقوم بشرائها بشكل أكبر من أسعار المنتجات التي نقوم ببيعها، فهذا يعني أن وضعنا الآن، بات أسوا”، وفق كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا.
- يعاني البريطانيون منذ أكثر من عام بسبب ارتفاع التضخم، الذي تجاوز زيادات الأجور بالنسبة لجميع العاملين تقريباً.
- أظهرت أحدث البيانات الرسمية انخفاض تضخم أسعار المستهلكين في بريطانيا إلى 10.1 بالمئة في مارس.
- أسعار الأغذية والمشروبات غير الكحولية ارتفعت 19.1 بالمئة في مارس مقارنة بمستواها قبل عام، مسجلة أكبر زيادة من نوعها منذ أغسطس 1977.
- بحسب البيانات ذاتها، فقد ارتفعت أسعار سلع البقالة 17.3 بالمئة في أبريل.
أزمة تكلفة المعيشة
وفي هذا السياق، يضيء عضو حزب العمال البريطاني مصطفى رجب، على انعكاسات الأزمات الخانقة التي تعيشها بريطانيا حالياً على الوضع المعيشي للمواطنين، في عددٍ من النقاط الأساسية:
- الشعب يواجه مشكلة كبيرة جداً (أزمة تكلفة المعيشة).. وهو غير قادر على مواجهة أعباء الحياة المادية.
- أسعار الطاقة والبترول بشكل خاص ترهق ميزانية المواطنين.. الكثيرون صار من الصعب بالنسبة لهم قيادة سياراتهم في ضوء ارتفاع الأسعار.
- بدأ الكثيرون يقتصدون في نفقاتهم، ويراقبون عدّادات البيوت لضبط الإنفاق، في وقت كانت تصل فيه الفاتورة الشهرية ما بين 600 إلى 700 جنيه.
- بدأ الناس يقتصدون في استخدام الطاقة بالنسبة للتدفئة في الشتاء، وكذلك بالنسبة للإضاءة.
- الأسعار بصفة عامة، ولا سيما أسعار المواد الغذائية، تشهد ارتفاعاً واسعاً، بما يضفي بمزيد من الضغوطات ويرفع تكلفة المعيشة بشكل لافت.
وكانت أكبر شبكة لبنوك الطعام في بريطانيا، قد أعلنت عن أن عدد الطرود الغذائية التي وزعتها زاد 37 بالمئة إلى مستوى قياسي بلغ 3 ملايين طرد في عام حتى مارس، إذ يعاني عدد متزايد من السكان بسبب أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويلفت رجب لدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى إطلاق الحكومة البريطانية حملات توعية للمواطنين تدعوهم فيها للاقتصاد والتوفير، من بينها حملة (RE) الهادفة إلى إعادة استخدام الأدوات القديم وغير ذلك.
ويعتقد عضو حزب العمال بأن واحدة من بين أبرز الأزمات التي يواجهها البريطانيون في ضوء هذا الوضع، هي أزمة فقدان الثقة بين الشعب والحكومة، يعزز تلك الأزمة ما يظهر على الساحة من تصرفات من قبل أعضاء الحكومة أنفسهم ممن لا يلتزمون ولا يضربون المثل والنموذج للشعب في الامتثال والانضباط.
ويلفت إلى أن “الأحزاب بدأت تنشط في حملاتها استعداداً لانتخابات مبكرة ربما، أو الاستعداد عموماً للانتخابات القادمة”، مشيراً إلى تبعات الوضع السياسي ومشاركة لندن في الحرب في أوكرانيا بثقل حتى صار الوضع على المكشوف حالياً، وذلك من العوامل التي أسهمت في تفاقم أزمة تكلفة المعيشة في بريطانيا.
ويشير رجب في الوقت ذاته إلى الإنذار المبكر الذي وصل المواطنين على تليفوناتهم أخيراً (نظام تنبيه في حالات الطوارئ اختبرته لندن) كان ذلك مقلقاً للشعب، ويفيد بأن الحكومة ربما تنتظر شيئاً ما سيحدث، على حد تعليقه.
ويختتم حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بالإشارة إلى أن “الوضع الاقتصادي والسياسي يضع الشعب في حالة قلق شديد، وفي ضوء عدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة”.
من يتحمل العبء الأكبر؟
تحليل كتبه الصحافي البريطاني، إد كونواي، على “سكاي نيوز” تناول معاناة الاقتصاد البريطاني، متحدثاً عن “من يتحمل العبء الأكبر ويدفع الفاتورة؟”، أشار إلى أنه “صحيح أن المملكة المتحدة أصبحت أسوأ حالًا، لكن البعض شعر بالعبء الأكبر من غيره”. ويضيف في تحليله أن:
- البلد ككل بلا شك أسوأ حالاً نتيجة للزيادة الحادة في أسعار الطاقة أخيراً.
- نستورد هذه الأيام الكثير من طاقتنا، معظمها في شكل غاز طبيعي.
- نظراً لارتفاع أسعار الطاقة هذه بشكل حاد، يتعين علينا جميعاً دفع المزيد مقابل سلعنا وخدماتنا دون كسب المزيد من المال في المقابل. نحن – أعني البلد ككل – كلنا أفقر.
- ومع ذلك ، فإن القول بأن البلد ككل أفقر لا يعني أن كل شخص يشعر بالضيق بنفس الطريقة تماماً.
- الألم الناتج عن ارتفاع الأسعار يتم الشعور به بشكل مختلف عند مستويات الدخل المختلفة.
- أظهرت دراسات مختلفة أن الفئات ذات الدخل المنخفض تشعر بتأثير ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء أكثر بكثير من الفئات ذات الدخل المرتفع.
ويختلف كونواي، مع تعميم كبير الاقتصاديين ببنك إنجلترا المركزي حول أن البلاد أصبحت أفقر (في المطلق)، موضحاً أن “أزمة تكلفة المعيشة شيئين في آنٍ واحد: ظاهرة اقتصادية كلية كبيرة (أصبحت البلاد أفقر) وظاهرة توزيعية (يشعر بعض الناس بالألم أكثر من غيرهم).. كان الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه بيل هو عدم توضيح أنه كان يتحدث عن القضية الأولى، دون أن يكون أوضح أنه لم يكن يحاول إصدار حكم على القضية الأخيرة”.
الفقر في بريطانيا
وبحسب مؤسسة (Resolution Foundation)، فإن أعداد الفقراء في بريطانيا مرشحة للزيادة بمقدار 3 ملايين شخص ليصل العدد إلى 14 مليونأً بين عامي 2023 و2024، كما ارتفعت مستويات الطلب على بنوك الطعام بنسبة 50 بالمئة بعد لجوء نحو 320 ألف شخص إليها لأول مرة، بينما ارتفعت فواتير الطاقة ثلاثة أضعاف.
وطبقاً لبيانات نشرتها عضو البرلمان عن حزب العمال، روشانارا علي، عبر موقع بوليتيكس هوم، في وقت سابق، فإن معدلات الفقر تتفاقم في بريطانيا، ذلك أن :
- هناك 4 ملايين طفل يعيشون في فقر مدقع بالمملكة المتحدة، حيث تسلل الفقر إلى عديد من الأسر خلال الـ 12 عاماً الماضية.
- تعد مناطق شمال شرق بريطانيا الأكثر معاناة مع الفقر الذي يطال الأطفال.. كما أن نصف الأطفال الذين ينتمون لأسر لديها أكثر من طفلين يعيشون تحت خط الفقر.
- هذا العدد كان 2 مليون و400 ألف في 2010، أي أن العدد تضاعف تقريباً خلال تولي المحافظين إدارة شؤون البلاد، على حد وصفها.
- هذه الأرقام نتاج تخفيضات على مدار سنوات في الضمان الاجتماعي وعقد من التخفيضات في أجور العاملين بالقطاع العام.
الإضرابات تختصر المشهد
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي في لندن، جعفر الأحمر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- تختصر الوضع المعيشي في بريطانيا صورة الإضرابات التي تضرب البلد منذ نهاية شهر سبتمبر من العام الماضي، بحيث لا يمر أسبوع دون إضرابات عدة أيام في الأسبوع.
- كل أسبوع هناك فئة من العمال يضربون عن العمل احتجاجاً على الغلاء المعيشي ويطالبون برفع الرواتب.
- الأوضاع المعيشية في بريطانيا عموماً تعاني تدهوراً في مستوى المعيشة ربما لم تشهد له البلد مثيلاً منذ أكثر من أربعة عقود.
- الغلاء هو نتيجة التضخم الذي يضرب الاقتصاد البريطاني في كل القطاعات وخصوصاً القطاعات الحيوية.
- ارتفعت أسعار الغذاء الشهر الماضي بأكثر من 19 بالمئة، وهو أعلى معدل ارتفاع منذ العام 1977 تقريباً.
ويشير إلى أن جميع دول العالم تعرضت لأزمتين شديدتين في السنوات الأخيرة، أثرتا على ارتفاع معدلات التضخم؛ الأولى كانت جائحة كورونا، والثانية الحرب في أوكرانيا والتي رفعت أسعار الطاقة. وفي بريطانيا تضاف أزمة ثالثة وهي الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي الأزمة التي كانت عاملاً أساسياً في أسباب التضخم والغلاء الذي يضرب المملكة المتحدة حالياً.
ويشدد على أن السلطات البريطانية لا تريد أن تركز على ذلك العامل، بسبب الغطرسة، ولا تريد الاعتراف بأنها خسرت من الخروج من الاتحاد الاوروبي، لافتاً إلى التقييمات الأخيرة الصادرة عن قطاع الأعمال والتي تشير إلى أن “بريكست” جعل بريطانيا الوجهة الأقل جاذبية للتسوق.
ويُبرز المحلل في الوقت نفسه عدداً من النقاط الأساسية التي ينتقد من خلالها سياسة الحكومة البريطانية في التعامل مع الأزمة الراهنة، على النحو التالي:
- كبير الاقتصاديين في بنك انجلترا دعا أخيراً المواطنين للتوقف عن المطالبة بزيادة الأجور، وطالب الشركات بالتوقف عن زيادة الأسعار والقبول بتراجع القدرة الشرائية.. وكأن القطاع المصرفي منقطع عن الواقع لا يعرف الأوضاع المعيشية للناس، ولا يعرفون أن الرواتب تدهورت قيمتها في السنوات الماضية إلى أكثر من 30 أو 40 بالمئة في حين أن الأسعار تضاعفت أكثر من ذلك في السنوات الأربعة أو الخمسة الماضية.
- وزير المالية قدم أخيراً موازنة جديدة، وبدلاً من أن يحاول فرض ضرائب مناسبة على الشركات الكبرى، خصوصاً شركات الطاقة التي حققت أرباحاً هائلة السنة الماضية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، أراد أن يعالج العجزفي الموازنة ويضعه على كاهل المواطنين والعمال والموظفين.. الحكومة تراعي أصحاب المصالح الكبرى والشركات على حساب العمال والموظفين.
- بينما تسعى الحكومة لجذب الاستثمارات الأوروبية والبريطانية، عارضت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية صفقة استحواذ “مايكروسوفت” على شركة “أكتفيجن بليزارد” لألعاب الفيديو، والتي تبلغ قيمتها 68.7 مليار دولار.
تشير تلك العوامل والسياسات الحكومية-في تقدير الأحمر- إلى مزيد من العوائق أمام احتواء الأزمات ووقف تفاقمها، موضحاً أنه ما لم تعمل الحكومة على كبح جماح التضخم وغلاء المعيشة فسوف تستمر معاناة البريطانيين بشكل حاد. ولا يرى في الوقت نفسه أفقاً لتحسن الوضع المعيشي على المدى المنظور، في ضوء “استمرار سياسات الحكومة الحالية”.
خطر الركود
وتشهد المملكة المتّحدة منذ أشهر إضرابات متكررة في العديد من القطاعات للمطالبة بتحسين الأجور في مواجهة ارتفاع الأسعار الذي تجاوز 10 بالمئة.
وفي السياق، فإن صندوق النقد الدولي كان قد ذكر أن بريطانيا ستكون الدولة الوحيدة من بين مجموعة السبع التي سيشهد اقتصادها ركودا هذا العام، مؤكداً أن أسعار الفائدة والضرائب المرتفعة تجعل التوقعات بالنسبة للمملكة المتحدة “أكثر كآبة”:
- يُتوقع انكماش اقتصاد بريطانيا بنسبة 0.6 بالمئة خلال العام 2023.
- هذا التوقع أسوأ بمقدار 0.9 نقطة مئوية مما كان يتوقع في وقت سابق أن يكون عليه الوضع.
- بريطانيا تراجعت من أعلى إلى أسفل الجدول في ترتيب مجموعة السبع.
ثلاثة عوامل أساسية
من جانبه، يحدد خبير الشؤون الأوروبية من بروكسل، محمد رجائي بركات، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” ثلاثة عوامل أساسية لأزمة بريطانيا الاقتصادية، وهي:
- الخروج من الاتحاد الأوروبي
- تبعات جائحة كورونا.
- الحرب في أوكرانيا.
ويشرح بركات ذلك بالإشارة أولاً إلى تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن ذلك من أحد الأسباب الرئيسية التي نجم عنها ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا، موضحاً أنه ” عندما صوت البريطانيون من أجل الخروج لم يكن هذا التصويت مبنياً على أسس علمية، بحيث لم يتم عرض بدائل خاصة من الناحية الاقتصادية في حال خروج بريطانيا، ولم يتم شرح الأوضاع (..) وبالتالي نجمت عن هذا الخروج مشاكل اقتصادية على جميع المستويات”.
ويتابع: “كانت لندن مركز الأسواق المالية في أوروبا وفي العالم، وكانت لها أهمية كبيرة.. أثر هذا الخروج على وضع البنوك البريطانية والمؤسسات المالية البريطانية.. كان يأتي إلى بريطانيا عديد من العمالة الموسمية من دول أخرى، خاصة من دول أوروبا الشرقية، بعضهم قاصدين مناطق زراعية يعملون بها خلال المواسم، والآن أصبح قدومهم صعباً، وأصبحت الأمور أكثر تعقيداً، كما أن الصادرات والواردات من وإلى بريطانيا أيضاً تأثرت بشكل كبير”.
وفيما يخص العامل الثاني المتعلق بـ “جائحة كورونا” يلفت بركات إلى أن تبعات الأزمة حمّلت بريطانيا الكثير من النفقات والأعباء، وبما أثر على ارتفاع الأسعار على ذلك النحو. ثم أخيراً الضغوطات الناجمة عن “الحرب في أوكرانيا” بعد أن تبنت لندن مواقف مؤيدة لكييف ودعمت الجيش الأوكراني لمواجهة التغلغل الروسي داخل الأراضي الأوكرانية. وهذا ما كلف أيضاً الحكومة البريطانية الكثير، بخلاف تأثر قطاع الطاقة مع تأثر الواردات من روسيا، وبما أدى لارتفاع المحروقات.
ويردف الخبير في الشؤون الأوروبية قائلاً: “كل هذه العوامل مجتمعة أثرت على مستوى المعيشة بالنسبة للمواطن البريطاني، وقادت إلى الإضرابات الأخيرة في عديد من القطاعات ، وبما أثر على النمو الاقتصادي.
وبالنسبة للإجراءات التي تتخذها الحكومة البريطانية ومدى نجاعتها، يشير إلى أن:
▪ الإجراءات الحكومية للسيطرة على الأزمة ليس فقط في بريطانيا ولكن في معظم الدول الأوروبية.
▪ هذه الإجراءات ليست كافية للتغطية نوعاً ما وتعويض المواطنين عن الخسائر التي نجمت عن الأزمات المتتالية.
▪ مهما حاولت الحكومة البريطانية أن تفعل حالياً “لا أعتقد بأنه سيكون بإمكانها إعادة الاقتصاد البريطاني وإعادة مستوى رفاهيته ومعيشة الشعب البريطاني إلى ما كان عليه أزمة البريكست ووباء كورونا والحرب في أوكرانيا”.
أوضاع صعبة
ويشدد خبير الشؤون الأوروبية على أن “الأوضاع الآن في بريطانيا وفي دول الاتحاد الأوروبي صعبة من جميع النواحي، سواء سياسية ومالية واقتصادية وأيضا اجتماعية؛ بالنظر إلى النتائج التي نجمت عن الأزمات الأخيرة والتي حدثت خلال فترة وجيزة بشكل متتابع، وأدت جميعها إلى تفاقم الأوضاع”.
ولا يعتقد بركات بأن انتهاء هذه الأزمة سيكون سهلاً بشكل أو بآخر، ويقول في ذلك الصدد:
▪ هناك عوامل خارجية وعوامل داخلية أيضاً تتحكم في تصاعد الأزمة في بريطانيا.
▪ داخلياً: الخلافات الداخلية بين الأحزاب البريطانية نفسها، وما شاهدناه من مشاكل مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (..).
▪ خارجياً: استمرار الحرب في أوكرانيا يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا وفي الدول الأوروبية الأخرى.
▪ من المؤكد أن انتهاء الحرب في أوكرانيا وعودة الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا إلى استيراد الغاز والنفط والمواد الأولية التي كان من المعتاد استيرادها من روسيا وأيضاً المواد الغذائية التي ارتفعت بشكل كبير، في حال عودة العلاقات إلى طبيعتها مع روسيا فإن هذا سيخفف من حدة الأزمة.
أزمة بلا حل يبدو في الأفق
مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث في لندن، عمار وقاف، يشير في تصريحات خاصة لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن “البريطانيين يعانون تحت وطأة ارتفاع الأسعار بشكل مستمر منذ العام المنصرم، دون أمل في انخفاض يلوح في الأفق”. ويعزى السبب الرئيس لذلك الارتفاع إلى أسعار الطاقة، كنتيجة مباشرة للحرب في أوكرانيا، وهو ما رفع تكلفة المواد المستوردة من الخارج.
وبالنسبة لبريطانيا، وهي التي تستورد قسماً كبيراً من حاجاتها الغذائية، فإن هذا ينعكس بشكل مباشر على معيشة الناس، ناهيك عن ارتفاع تكلفة المواد الغذائية المنتجة محلياً وتكاليف التدفئة والنقل بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عينه.
ويتابع وقاف: “وجدت نقابات العمال الحل في الضغط على الحكومة بغية رفع الرواتب والمداخيل، ولكن الحكومة تمانع لأن زيادة الرواتب ستؤدي لزيادة في تكاليف الإنتاج، وهو ما سوف يؤدي حتماً لزيادة في أسعار البضائع والخدمات”.
ويلفت في الوقت نفسه إلى انتشار جداول مقارنة تبين ارتفاع سعر مواد غذائية أساسية كالخضار والبيض والحليب والخبز بنسب تترواح ما بين 30 و50 بالمئة، وهي تعكس ما يلمسه الناس هنا بشكل مباشر يومياً. ولا يبدو أن حلاً سحرياً يلوح في الأفق، سوى أن الطقس الدافئ يفترض أن يدفع بأسعار الطاقة للهبوط، ما سينعكس إيجاباً على حدة الارتفاع في الأسعار.
ويختتم مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث في لندن، حديثه قائلاً: تلعب التجاذبات السياسية المحلية دوراً في التأخر في حل الأزمة المعيشية، إذا يتمسك حزب المحافظين الحاكم وراء أفكار التقشف الاقتصادية، وهو ما يترجم عملياً بمقاومته لزيادة الإنفاق، بما فيها زيادة الرواتب، في حين يحاجج حزب العمال أن زيادة الإنفاق تؤدي إلى تنشيط الدورة الاقتصادية المجتمعية. ويعتقد كلا الحزبين أن تمسكه بأفكاره التقليدية في معالجة الأزمة سيؤمن له أصوات ناخبيه التقليديين على الأقل، وهما سيخوضان مواجهة مهمة الأسبوع القادم في الانتخابات المحلية التي يفترض أن تظهر مزاج الناخبين، تمهيداً للانتخابات العامة القادمة المفصلية بعد عامين من الآن.
#بريطانيا
#اقتصاد بريطانيا