د.عبدالعزيز الجار الله
وعادت البصرة بعد كأس الخليج العربي (25) يناير 2023 إلى ربعها وعرب الخليج:
يُشَّوِقُني بَرْقٌ مِنَ الحَّىِ لامِعُ
لعّل به تبدو الرِبى والمرابِعُ
وحيثُ طرا عُرْفَ النسيم إذا سرى
تَذَكَرْتُ ما تحتويهُ تلك المواضِعُ
رعى الله هاتيك الديار وأهلها
وحيّا رِباها حيثما القلب والِعُ
(الشاعر اليمني عبدالله محمد باحسن توفي في حضرموت 1928).
عادت نخيل البصرة إلى تربة شط العرب بعد سنوات الجفاف التي ضربت أهوار جنوبي البصرة لتصبح بعد أن تبللت بمياه خليج العرب أصبحت رطبة ندية وارتوت بعد أن كانت يابسة شحيبة من التغريب والجفاء، عادت ضفاف وشطآن روافد دجلة والفرات إلى بصرة العرب، وعادت زبير التاريخ وقوافل الحجيج التي تأتي من الشرق من بلاد الجبال واواسط آسيا شرقي العالم الإسلامي لتسلك باطن البصرة في طريق يقودها إلى المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة في العصر العباسي، عادت الذاكرة لعرب أهل الغضى وذرات الرمل والهضاب و سهوب جزيرة أهل الشمال والجنوب، فهذه التداعيات جاءت بها على طريقة الشريف الرضي المتوفى 406هـ/ 1015م في بغداد العراق:
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ
بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ
عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سَهمٌ أَصابَ وَراميهِ بِذي سَلَمٍ
مَن بِالعِراقِ لَقَد أَبعَدتِ مَرماكِ
أعادتنا دورة الخليج العربي إلى سياب العراق بدر شاكر الشاعر (البصراوي) العراقي العربي الذي استمر يبكي أمه وهي جانب التل تنام نومة اللحود، هذا الشاعر الذي رحل عن الدنيا مبكرا في مستشفى بالكويت 1964 وقبل أن يرحل قال أنشودته وهو ينادي العراق والخليج:
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام:
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها، ثمَّ حين لجّ في السؤال
قالوا له: «بعد غدٍ تعودْ..»
لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطر
* * *
/ ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
سواحلَ العراق بالنجوم والمحار،
كأنها تهمّ بالشروق
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ
أَصيح بالخليج: «يا خليجْ
لقد باعدت بيننا ظروف مر بها الخليج العربي من بعد سلسلة من الأحداث حرب الخليج الثانية عام 1991 ثم احتلال أمريكا للعراق عام 2003 وأخير هيمنة إيران منذ عام 2006 على القرار في العراق، وكما تقول بعض التحليلات الأدبية أن السياب ركز على رمزية شجرة النخيل، شجرة العرب، ورمزية العراق والخليج، ورمزية المطر الذي يرمز لبداية جديدة، وانقضى مرحلة.
المطر أتى لغسل الماضي والأخطاء،
كما أن المطر يأتي بالخيرات على الخليج والعراق ليرفد بسيوله نهري دجلة والفرات، وفي صورة أخرى كان العراق تستبيحه من خارج البلاد وجوه غريبة، فبدل المطر جاءت الوجوه الغريبة بالمشكلات الاقتصادية، ونهبت خيرات النفط الذي كان بالأزمنة القديمة بلاد الخيرات والزمن الحديث بلاد النفط لكنه في الزمن المعاصر بلاد الضائقة المالية والكساد، أذن الخليج رمزية الانتعاش الاقتصادي والتنمية والامتداد العربي.