م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- لا يولد الإنسان من رحم الفراغ، فهو ليس نبتة شيطانية نبتت من لا شيء.. ليس هناك مخلوق نشأ في الفضاء وعاش في الفضاء ومات في الفضاء.. كل شيء هو امتداد لشيء آخر، وكل إنسان هو نتيجة وهو في نفس الوقت سبب ووسيلة لتكوين وتشكيل إنسان آخر.. من هنا تبرز أهمية معرفة النفس، بل إنها تعد اليوم المهارة الأهم والأعلى لأي شخص يسعى للنجاح في الحياة بشكل مطلق.. فإذا لم يكن المرء على معرفة بذاته فلن يعرف المهارات التي يجب إتقانها للسعي في الحياة والنجاح فيها.
2- الإنسان كائن حي مكون من شكل ومحتوى، وظاهر وباطن، وعقل واعٍ وغير واعٍ.. وتدور داخله تفاعلات هرمونية وعصبية وفكرية تتحكم في سلوكياته وتصرفاته وممارساته وأساليب تعاملاته وردات فعله.. وتزرع في ذلك الإنسان سمات تشكل شخصيته وتحدد اتجاهاته في حياته اليومية.. هذه السمات تتشكل بفعل مؤثرات داخلية وأخرى خارجية، فإذا لم يعرف الشخص سمات وخصائص نفسه فلن يعرف كيف يمكن أن يوظفها بالشكل الصحيح، وكيف يمكن الاستفادة منها إلى أقصى حدٍّ ممكن.
3- معرفة النفس ليس بالأمر السهل الذي يمكن لأي أحد أن يتقنه ويبرع فيه، بل إن الأغلبية من البشر يولدون ويموتون وهم لا يعرفون أنفسهم ولا جوانب التفوق والضعف فيها.. نعم قد يعرفون أجزاءً منها لكن ليس كلها، وتلك الجوانب التي يعرفونها في أنفسهم لا يعرفون كيف يتحكمون بها، ولا كيف يوجهونها التوجيه الصحيح، فيكون تأثيرها عليهم سلبياً.
– عموم الناس ينقادون للقيم والأعراف المجتمعية ويسيرون وفق توجيهها لكنهم لا يفهمون لماذا، ولا يعرفون مدى صلاحيتها لهم ولزمانهم، هم فقط توارثوها واتبعوها.. وهم يدركون مشاعرهم وما يحبون وما لا يحبون، لكنهم لا يملكون تحقيق ما يحبون أو تجنب ما لا يحبون.. هم لا يعرفون طموحاتهم بل يعرفون أمنياتهم.. هم لا يعرفون ما يناسبهم وما لا يناسبهم وما الذي يجعل حياتهم أكثر راحة وسعادة.
5- أغلب الناس لا يفهمون أنماط شخصياتهم وطرق تفكيرهم وما الذي يحفزهم ويوقظ أحاسيسهم ويثير مشاعرهم وردات فعلهم تجاه ما يشعرون به، وبالتالي معرفة قدراتهم.. ولا يعون تأثيرهم والأثر الذي يمكن أن يتركوه في محيطهم أو الأثر الذي يتركه محيطهم فيهم.. هذا هو ما ينطبق على الأغلبية من البشر، أما الناجحون في الحياة فهم يعرفون أنفسهم باستيعابهم وتطبيقهم لكل ما سبق.
6- معرفة النفس ليست بالأمر السهل فهي تحتاج إلى شجاعة.. ومعرفة النفس على حقيقتها تعني معرفة نقائصها وعيوبها ونقاط ضعفها إلى جانب معرفة نقاط قوتها.. وإذا كانت النفس تقع تحت تأثيرات داخلية وأخرى خارجية فهذا يعني أن عليها مواجهة كل ذلك بشجاعة، ومقاومة كل ما يسبب إعاقة وتحدياً للشخصية وتعزيز ما يقويها.. ومن أهم معطيات معرفة النفس على حقيقتها حمايتها من المبالغة في تقدير الذات، وتبرير أخطائها، وإلقاء اللوم فيما يواجهها من مشاكل وصعوبات على الآخرين، والغضب عند تعرضها لنقد مباشر، والحذر من الغرور والنرجسية والأنا العالية.. فالوقوع في هذه السلبيات هو الذي يحجب رؤية الإنسان لنفسه ولما حوله.
7- إذا كانت معرفة الذات من الداخل ليست سهلة فإن معرفة الذات الخارجية أكثر صعوبة لأنها مرتبطة بمعرفة الآخرين لذاتك، فالآخرون ينطلقون في حكمهم عليك من خلال نفسياتهم وطباعهم وغاياتهم.. وإذا كانت معرفة الذات من الداخل تحتاج إلى البصيرة والصدق مع النفس وقراءتها بتجرد، فإن معرفة الذات الخارجية لا تتم إلا من خلال رؤية الآخرين لنا ورأيهم فينا، مع الأخذ في الاعتبار أن المقربين لنا قد يجاملون والبعيدين ربما يبالغون.. وإذا كان العائق أمام معرفة الذات الخارجية هو صمت المقربين لنا خشية إحراجنا أو إزعاجنا، فإن العائق أمامنا بالنسبة للبعيدين هو إحجامنا عن السؤال وطلب الرأي والمعرفة.. لكن لا بد أن نعرف أن الآخرين هم المرآة التي نرى فيها أنفسنا، لذلك لا بد من اكتساب مهارة تَلَقِّي ملاحظات الآخرين، ومهارة سؤالهم وطلب رأيهم، والتمييز بين الرد العميق والرد السطحي أو المجامل أو العدائي.. والأهم من ذلك هو الإنصات الحقيقي لكل الآراء مهما كان مصدرها، ومن ثم التأمل فيما قيل ومعرفة مواطن القوة أو الضعف، ومحاولة إيجاد الوسائل للاستفادة من مواطن القوة، أو العثور على الحلول لتلافي مواطن الضعف.