مجلس النواب سيبدأ تعديل نظامه الداخلي لمحاصرة أعضائه المتابعين قضائيا بعد توجيهات ملكية
قالت مصادر برلمانية متطابقة، إن هناك توجه نحو فتح ورش تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، تفاعلا مع مضامين الرسالة الملكية التي تليت في الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي.
وأوضح مصدر برلماني في حديث مع “اليوم 24″، أن دعوة الملك إلى “إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم”، ستجعل المجلس يعدل مسطرة المصادقة على التعديلات التي أقرتها لجنة النظام الداخلي، بعد ترتيب الآثار القانونية على قرار المحكمة الدستورية، حيث سيتم إقرار تعديلات جديدة لا تتعلق بملاحظات المحكمة الدستورية.
وقالت المصادر، إن التوجه العام يتجه نحو إقرار تعديلات تهم منع البرلمانيين المتابعين قضائيا من بعض المهام التمثيلية داخل المجلس، دون أن يطال ذلك المهام التي أوكلها لهم الدستور، وهي التشريع ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية، بينما التعديلات التي كان يطالب بها عبد اللطيف وهبي، الأمين العام للأصالة والمعاصرة، كانت تشمل الحرمان من المهام الثلاثة أيضا.
المعطيات التي يتوفر عليها “اليوم 24″، تشير إلى وجود توجه نحو إقرار تعديلات جديدة، تمنع البرلمانيين المتابعين قضائيا من تمثيل البرلمان في المهمات الرسمية والبعثات الدبلوماسية، كما ستحرمهم أيضا من الحaور في أي استقبال رسمي للوفود الأجنبية أو المشاركة في الندوات والمؤتمرات ضمن الوفود البرلمانية.
وكان الملك محمد السادس، قال الأربعاء الماضي، في رسالة وجهها إلى المشاركين في الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، إن “من أبرز التحديات التي ينبغي رفعها للسمو بالعمل البرلماني، ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم”.
ودعا الملك في الرسالة التي تلاها رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، إلى “تحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية”.
يذكر أن مجلس النواب أجل قبل أسبوعين جلسة تشريعية كانت مبرمجة، للمصادقة على تعديل النظام الداخلي للمجلس، بعد ملائمته مع ملاحظات المحكمة الدستورية، وذلك عقب مطالب لـ”البام” بتوجيهات من أمينه العام، بإقرار تعديلات جديدة غير تلك التي شملتها ملاحظات المحكمة الدستورية، وهو ما رفضه مكتب مجلس النواب.
وكانت المحكمة الدستورية، بثت في مارس الماضي، في مدى دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب، المحال إليها والمسجل بأمانتها العامة في 2 فبراير الماضي، عملا بأحكام الفصلين 69 (الفقرة الأولى) و132 (الفقرة الثانية) من الدستور، والمادة 22 (الفقرة الأولى) من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، وذلك للبت في مطابقته للدستور.
وقالت المحكمة، في قرارها، إن هناك مواد مستحدثة ليس فيها ما يخالف الدستور، على أساس مراعاة ملاحظات وتفسيرات المحكمة الدستورية بشأنها، مضيفة أن الصيغة المعدلة لمقتضيات مواد النظام الداخلي، مطابقة للدستور أيضا، بينما أوضحت المحكمة أن هناك 7 مواد في النظام الداخلي لمجلس النواب غير مطابقة للدستور.
وأوضحت المحكمة في قرارها، أن المادتين 28 و136 أغفلتا قواعد تضمن تمثيل المعارضة البرلمانية، بواسطة الفرق التي اختارت الانتماء إليها، في منصبي المحاسب والأمين بمكتب المجلس، وأيضا قواعد تحدد كيفيات تخصيص منصب رئاسة أو مقرر مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة، حسب الحالة، للمعارضة.
وفي شأن المادة 258، قالت المحكمة الدستورية، إنها نصت على أن “مكتب لجنة المالية والتنمية الاقتصادية يقوم بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة ببرمجة اجتماع للجنة تقدم خلاله الحكومة عرضا بشأن إحداث كل حساب خصوصي للخزينة، أو فتح اعتمادات إضافية أو وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار”، وهو ما اعتبرته مخالفا للدستور، إذ لا يتم ذلك إلا من طرف الحكومة كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للمالية.
ونصت المادة 313 من النظام الداخلي للمجلس، على أنه: “يقصد بمفهوم السياسة العامة الخيارات الاستراتيجية الكبرى للدولة، والتي تكتسي بحكم طبيعتها ومداها صفة الشمولية والعرضانية”، وقالت المحكمة الدستورية إنه، لئن كانت أحكام الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور، تقر استقلال مجلس النواب بوضع نظامه الداخلي، فإن ذلك لا يسوغ له الاستئثار بوضع تعريف للسياسة العامة، يتعلق بمجال يخص العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ لا ينبغي أن يتضمن النظام الداخلي ما يقيد الغير، دون سند من الدستور أو القانون.
وبينما تحدثت المادة 316 من النظام الداخلي عن جدول أعمال الجلسة المخصصة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، وقالت إن هناك حالتين، إما وجود سؤال واحد أو سؤالين، قالت المحكمة الدستورية، إن الدستور تحدث عن “الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة” بصيغة الجمع، وهو ما يعني ما زاد على سؤالين في الجلسة الشهرية الواحدة، أي ثلاثة أسئلة فأكثر، مما تكون معه المادة 316 فيما نصت عليه من تضمن جدول أعمال الجلسة المخصصة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة لسؤالين محوريين في الأقصى، غير مطابقة للدستور.
وفي شأن المادة 321 (الفقرتان الأولى والثانية)، والتي نصت على أنه، “تتألف لجان تقصي الحقائق من ممثل عن كل فريق ومجموعة نيابية..”، ثم “يتم اللجوء إلى قاعدة التمثيل النسبي في توزيع المقاعد المتبقية”، قالت المحكمة الدستورية، إن المادة الخامسة من القانون التنظيمي المتعلق بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، نصت على أنه، “يعين أعضاء لجان تقصي الحقائق من قبل مكتب المجلس المعني مع مراعاة مبدأ التمثيلية النسبية للفرق والمجموعات البرلمانية…”؛ لتؤكد المحكمة الدستورية على أن اقتصار تطبيق مبدأ التمثيل النسبي على توزيع المقاعد المتبقية وحدها، يجعل المادة المذكور مخالفة للدستور.
واعترضت المحكمة الدستورية أيضا على المادة 86 من النظام الداخلي، والتي أدرجت الهيئات الدستورية ضمن اختصاصات اللجان النيابية الدائمة، وقالت إنها مخالفة للدستور، على اعتبار أن “تقديم مشاريع أو مقترحات القوانين، يتم من قبل الجهات التي بادرت إليها”، وأن “هذه المؤسسات والهيئات المعنية غير خاضعة للسلطة الرئاسية ولا لوصاية وزير معين، مما يحظر معه استدعاء رؤسائها أو مندوبين عنها، للمثول أمام لجنة دائمة”.
وقالت المحكمة الدستورية، إنها اطلعت على مذكرات الملاحظات الصادرة عن نواب غير منتسبين (نواب جبهة القوى الديمقراطية) وعن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية وعن رئيس الحكومة، المدلى بها، عملا بمقتضيات المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، والمسجلة بالأمانة العامة المذكورة في 9 و14 و15 فبراير 2023.
وتنص الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور، على وجوب إحالة النظام الداخلي لمجلس النواب، قبل الشروع في تطبيقه، على المحكمة الدستورية للبت في مطابقته للدستور.