إقتصاد

ما مدى قدرة مصر على الوفاء بسداد ديونها الخارجية؟

خاص

جانب من البنك المركزي المصري

جانب من البنك المركزي المصري

تعزز مجموعة من العوامل المتزامنة قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وسداد الاستحقاقات الدولية، وفقا للجداول الزمنية المحددة، لا سيما مع الاستمرار في زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وفي ضوء المؤشرات الاقتصادية ذات الصلة، من بينها ارتفاع الصادرات وعوائد القطاع السياحي وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.

وفيما ارتفع حجم الدين الخارجي لمصر نحو 5 أضعاف تقريبا خلال العشرة أعوام الماضية، ليصل إلى نحو 157.8 مليار دولار طبقا لتقرير صادر عن البنك المركزي المصري في سبتمبر الماضي، فإن القاهرة تُبدي قدرة على الوفاء بكافة التزاماتها المالية في مواعيد الاستحقاق داخليا وخارجيا.

وطبقا لتصريحات سابقة لوزير المالية المصري، الدكتور محمد معيط، فإن مصر لم تتخلف عن سداد الاستحقاقات المالية في مواعيدها، وقادرة على ذلك مستقبلاً أيضاً، وبشهادة المؤسسات الدولية، الأمر الذي من شأنها منح الثقة لقطاع الأعمال الدولي في أداء الاقتصاد المصري وآفاق تطوره في السنوات المقبلة.

جدول الاستحقاقات

وطبقا لبيانات البنك المركزي المصري، وجدول استحقاقات أقساط وفوائد الدين الخارجي على مصر، في ديسمبر الماضي، فإن مصر ملزمة بسداد نحو 83.8 مليار دولار عن خدمة الدين الخارجي خلال الخمس سنوات المقبلة.

وذكر تقرير صادر عن بنك “إتش أس بي سي” أن الاقتصاد المصري يواجه جدولا “صعبا” لسداد الاستحقاقات لصندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية في الأعوام المقبلة، وأفاد التقرير بأن:

  • مصر على مدار 4 سنوات ملزمة بسداد ما لا يقل عن 10 مليارات دولار (حتى نهاية العام 2026) لصندوق النقد الدولي
  • خلال العام الجاري سوف تبدأ مصر سداد ديون مستحقة للصندوق، إضافة إلى 1.25 مليار دولار سندات مستحقة خلال الربع الأول

وكشف صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، عن خطاب النوايا المرسل من جانب السلطات المصرية، ضمن الوثائق المرتبطة بالاتفاق المبرم مع الحكومة المصرية حول برنامج التمويل الجديد وبرنامج الإصلاحات الاقتصادية المصاحب له.

تضمن الخطاب عدداً من المحاور، من بينها الإشارة إلى أن البنك المركزي المصري ووزارة المالية سيوقعان مذكرة تفاهم توضح المسؤوليات تجاه الوفاء بالالتزامات تجاه الصندوق المتعلقة بهذه الاتفاقية في الوقت المناسب.

أربعة معايير رئيسية

يحدد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، مصطفى أبوزيد، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أربعة عوامل رئيسية تعزز قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية:

  • المعيار الأول: الاستمرار في زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي
  • المعيار الثاني: ارتفاع حجم الصادرات المصرية
  • المعيار الثالث: التحرك الملحوظ لقطاع السياحة
  • المعيار الرابع: ثبات التصنيف الائتماني لمصر

يتحدث أبوزيد بشيء عن تفاصيل تلك المعايير، موضحا أنه فيما يخص زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، فإن هناك حرصا من الدولة المصرية على استدامة النمو، ويظهر ذلك جليا في معدلات النمو المحققة في السنوات الثلاث الأخيرة منذ جائحة كورونا مروراً بأزمة الطاقة والغذاء والحرب في أوكرانيا.

  • نجحت مصر في تحقيق معدلات نمو موجبة رغم المتغيرات السلبية حول العالم
  • حقق الاقتصاد المصري نمواً بنسبة 3.9 بالمئة في 2019-2020
  • بلغت نسبة النمو 3.3 بالمئة في 2020-2021 ونسبة 6.6 بالمئة في 2021-2022
  • يتوقع أن تبلغ نسبة النمو 4.5 بالمئة في العام الجديد

ويشير مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، إلى أن زيادة حجم الناتج المحلي أثر من ناحية أخرى على زيادة حجم الصادرات المصرية، والتي شهدت نمواً ملحوظاً خلال آخر عامين، فقد قفزت الصادرات السلعية والبترولية في 2021 إلى 45 مليار دولار، بما يعكس قدرة الاقتصاد المصري على جلب العملة الأجنبية.

كما يلفت أبوزيد إلى التحرك الملحوظ لقطاع السياحة بعد مرحلة الانكماش التي شهدتها فترة كورونا في ظل الإغلاقات وقيود السفر، ضمن المعايير التي يستدل بها على قدرة اقتصاد بلاده على الوفاء بالتزاماته الخارجية.

اقتصاد متماسك

وفيما يخص المعيار الرابع المرتبط بثبات التصنيف الائتماني لمصر، يشدد على أن هذا الثبات له دلالة ورسالة مباشرة للمستثمرين وقطاع الأعمال الدولي، وهي أن الاقتصاد المصري هو اقتصاد متماسك وقادر على النمو وخلق فرص استثمارية، بما يدعم زيادة حجم الاستثمار المباشر وغير المباشر.

ويشير إلى أن المصادر الخاصة بالحصول على العملة الأجنبية في مصر شهدت تطوراً ملحوظاً، بما في ذلك زيادة عائدات قناة السويس وتطور قطاع السياحة، وزيادة حجم الصادرات والاستثمارات المباشرة الخاصة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الدولة المصرية في الفترة الماضية كانت حريصة على عرض الفرص والمحفزات الاستثمارية، وبما رسخ لفكرة اعتبار الاقتصاد المصري أكثر جذباً للاستثمارات المباشرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تعزز هذه العوامل مجتمعة قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها وسداد فوائد وأقساط الديون. ويقول أبوزيد إن الدين يظل في الحدود الآمنة تبعاً لحجم الناتج الإجمالي المحلي البالغ نحو 450 مليار دولار، وتبلغ نسبة الدين الخارجي في حدود 34 بالمئة من حجم الناتج المحلي، ووفق المعايير الدولية فالنسبة الآمنة ما بين 40 إلى 50 بالمئة.

وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في تقرير المراجعة الأخيرة، ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 34.7 بالمئة في العام 2023، مقارنة بالتوقعات التي أوردها في تقرير شهر أبريل الماضي، والتي كانت النسبة فيها 31.4 بالمئة.

حجم الدين الخارجي

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الدين الخارجي لمصر يصل إلى نحو 157 مليار دولار طبقاً للبيانات الرسمية، وتحتاج مصر لتمويل خدمة الدين سداد ما يصل إلى 28 مليار دولار من ديونها المستحقة حتى نهاية العام الجاري 2023، بينما صافي الاحتياطي النقدي بالبلاد ارتفع إلى 34 مليار دولار بنهاية العام 2022.

ويشير إلى أنه بناءً على تلك البيانات الرسمية، فإن مصر ليست لديها مشكلة في الالتزام بسداد ديونها المستحقة وفق الجدول الزمني الخاص بذلك، موضحاً أن ثمة اعتماداً على قرض صندوق النقد الدولي الأخير وكذاك ما تحصل عليه مصر من صندوق الاستدامة والمرونة التابع للصندوق، بواقع شريحتين كل عام وبإجمالي 8 شرائح.

وأعلنت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومصر رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر، فانا فلادكوفا هولار، الثلاثاء، عن أن الصندوق المذكور سوف يناقش منح مصر 1.3 مليار دولار بحلول شهر مارس المقبل.

ويعتقد الإدريسي بأن تلك التمويلات وفي خطٍ متوازٍ مع الإجراءات الاقتصادية المتخذة، تمنح الاقتصاد المصري جدارة ائتمانية، تسهم في كسب ثقة المستثمرين من خلال توفير عوائد أكبر للاستثمار في الأدوات المالية، مشدداً على أنه “إن لم تكن مصر قادرة على سداد التزاماتها، لم يكن صندوق النقد ليقدم على الموافقة على القرض الأخير”.

التصنيف الائتماني

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي واستاذ التمويل الدكتور مصطفى بدرة، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن التصنيف الائتماني لمصر حتى الآن لا يزال في حدود الأمان بالنسبة لمقرضي الدولة المصرية، لا سيما بعد شهادة صندوق النقد الدولي الأخيرة، وبشكل خاص مع قيام الصندوق بإجراء مراجعة دورية كل ستة أشهر، بما يمنح الطمأنينة للمستثمرين بشأن وضعية الاقتصاد المصري.

ويلفت إلى تحسن موارد النقد الأجنبي في مصر، والتي تشكل الاحتياطي النقدي بالبلاد، نتيجة زيادة معدلات السياحة وموارد قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، إضافة إلى الزيادة التي سجلتها الصادرات المصرية، وزيادة الاستثمارات، بما يعزز قدرات مصر التي لم تتخلف عن سداد أي من الأقساط الخارجية، وبما يبعث بطمأنينة للمقرضين والمستثمرين.

ويضيف: “صحيح كانت هناك عمليات تخارج للاستثمارات غير المباشرة وما يعرف بالأموال الساخنة، إلا أن ذلك لم يكن مرتبطاً بوضع الاقتصاد المصري، إنما يرتبط بشكل أساسي بالأوضاع العالمية”.

كما يشير الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه إلى توسع مصر في مسألة “مبادلة الديون” مع عديد من الأطراف (من بينها إيطاليا وألمانيا) بما يخدم مصالح جميع الأطراف، لافتاً في الوقت نفسه إلى الرسالة التي تبعث بها مصر للعالم فيما يخص بناء الاقتصاد المصري وفق بيئة تواكب التطور العالمي، وهو ما تشهد عليه عمليات تطوير البنية التحتية والتحسن في قطاعات مختلفة، والطور الكبير في قناة السويس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى