د. محمد بن إبراهيم الملحم
الحديث عن الموظفات يتمم ما ذكرته في مقالتي السابقة «ماذا تريد المعلمات؟» فهن يشتركن مع المعلمات في كثير مما ذكرته سواء بمراعاة خصائصهن الأنثوية في مسألة دمج الطلاب الذكور في مدارس البنات، وفيما يتعلق أيضاً بالمباني المدرسية المخصصة للطلاب الذكور واستخدامها للطالبات، وبدون شك فإن الطالبات يشتركن في هذا المطلب أيضاً، ولكن للموظفات مطالبهن الخاصة بهن وأقصد بهن كل الموظفات اللاتي لا يمارسن التدريس في مجال التعليم كالمديرة والوكيلة أو المساعدة والمشرفة التربوية والموظفة الإدارية والمرشدة الطلابية ومحضرة المختبر وكذلك العاملة المدرسية، وكذلك ينطبق بعض ما سأورده هنا على الموظفات العاملات في القطاعات الأخرى غير التعليم فماذا تريد الموظفات؟ يردن في الواقع أن تتوفر لهن متطلبات صيانة المدرسة من خلال شركات محترمة لا تحتاج من يتعقب وراءها صحة العمل، فالمرأة لا تملك الخبرة الكافية لتتأكد أن العمل المنجز للصيانة تم بشكل سليم كما هو حال أغلب الرجال، ولذلك تستغل كثير من شركات ومؤسسات الصيانة العاملة في مدارس البنات أو الفروع النسائية الحكومية نقطة الضعف هذه لتؤدي عملها بجودة أقل، وهو ما يدر عليها مردوداً أكبر بالطبع، وذلك في ظل غياب متابعة العمل بواسطة من يملكون الخبرة.
ويردن أيضاً أن تتوفر لهن فرص التدريب كما تتوفر لزملائهن الرجال كمّاً وكيفاً لترتقي مهارات الموظفات القيادية إلى مستويات ممتازة تؤهلهن لاستلام المناصب بجدارة، أما التكليفات الشكلية مع نقص الخبرة فهو يضر المرأة العاملة إذا يلقي بها إلى تجربة الفشل سريعاً، وسبق أن كتبت عن ذلك في مقالة سابقة بهذه الجريدة بعنوان «القيادات التربوية النسائية فرصة تاريخية» وهذا رابطها https://www.al-jazirah.com/2016/20160901/ln27.htm حيث أثنيت فيها على حرص الوزارة على تعيين قيادات نسائية في منصب مدير عام بيد أني أشرت إلى أنها تعيينات خلت من ثلاثة مقومات مهمة مما جعل دور المرأة القائدة بالوزارة نمطياً وربما أقل من النمطي فلم يرتق بالنظرة السلبية نحو قدراتها، وتلك المقومات الثلاثة هي: التدريب والتمكين وكمال المشاركة، وأكدت أن التدريب يتجاوز شكله النمطي بالدورات التدريبية إلى أنماط حديثة من التوأمة أو التدريب الموجه Coaching وأما التمكين فيكمن في المعرفة الإدارية الضرورية ونطاق الصلاحيات لأن نقص المعرفة الكبير لدى بعض القيادات النسائية (خاصة في مجال التعليمات والأنظمة الإدارية) يجعل صلاحياتهن رهن الاعتقال لدى قدامى أصحاب الخبرة وإن كنت أرى أن هذا الجانب حصل فيه تقدم كبير مؤخراً.
تريد الموظفات أيضاً أن تتوفر لهن أنماط وظيفية مرنة حتى لو انعكس ذلك على نظام الرواتب وأقصد بذلك أولئك الموظفات (وحتى المعلمات) اللاتي تكون لديهن ظروف تجعلهن في حاجة إلى دوام قصير ليتمكنّ من العودة لمنازلهن للقيام ببعض الواجبات المهمة التي لا يمكن أن يقوم بها غيرهن فالموظفة أم ترعى طفلها ويحتاج إليها وهي من تنشئه وتربيه ولكنها لا تبدع في ذلك مع ضغوط العمل وأولها مدته الزمنية الطويلة نسبياً وهناك بعض الموظفات يمارسن العمل لا لهدف الجانب المادي في المقام الأول ولكن لكونه مجالاً اجتماعياً يدمجهن أكثر في الحياة ويجعل لها طعماً مختلفاً، وهن على استعداد للتضحية بجزء من الراتب مقابل أن يخف ضغط العمل ويتوفر لها وقتٌ أطول لرعاية أولادها ولا يمكن تصور حدوث ذلك في ظل النظام التقليدي الجامد للوظيفة وإنما يفترض أن يتم إبداع نمط مرن خاص بالمرأة العاملة الأم.
منذ ولادة الطفل حتى تتأسس مهاراته الأساسية من قراءة وكتابة وحساب ويصبح أكثر استقلالاً عند سن العاشرة فإن الأم هي من تلعب الدور الأساس في تنشئته، وإبداعات الأم في هذه السنوات العشر يترتب عليها متطلبات لابد من مراعاتها في حق الأم الموظفة ولابد أن تتمثل الجهات التي توظف المرأة هذا الدور البنائي لأفراد المجتمع وتقدم ما يدعمه من خصائص تساعد الأم على رعاية أبنائها الرعاية التي تليق بصناعة المستقبل لبلدنا الغالي، وهنا أرى أن تتاح الوظيفة «المرنة» لمن ترغب من هذه الفئة (وبالمثل يكون نصاب المعلمة الأم التدريسي أقل من غيرها)، ويكون ذلك لكل أم لديها أبناء أقل من عشر سنوات، كما إن على المؤسسة التعليمية أن تقدم برامج تدريبية للموظفة الأم ترتقي بثقافتها ووعيها في رعاية أطفالها وأبنائها.
رعاية الطفل يقابلها أيضاً رعاية كبير السن المريض أو المقعد والذي يقرر الأطباء حاجته للرعاية أو الخدمة الشخصية المنزلية فمثل هؤلاء غالباً ترعاهم النساء اللاتي يعشن معهم: ابنته أو أخته مثلاً، وهنا ينبغي أن تحظى هؤلاء أيضاً بنفس الفرصة في نظام الوظيفة المرن ليتمكنّ من القيام بواجبهن في رعاية مواطنين خدموا بلدنا واستحقوا أن يكون لهم من يرعاهم في عجزهم دون ضغوط مهنة تقلل من كفاءتهم في الخدمة والرعاية.
وجدير بالذكر أن نشير إلى اهتمام حكومتنا الرشيدة بكبار السن من خلال رؤيتها السديدة حيث تم إنشاء مجلس شؤون الأسرة والذي أنجز لائحة نظام حقوق كبار السن ودليل الخدمات المقدمة من القطاعات لكبار السن ونظام المراكز النهارية لكبار السن وأما استراتيجيته للأسرة السعودية فقد أسسها على ثلاثة أركان: إستراتيجية للطفل وأخرى للمرأة وثالثة لكبار السن. كل هذا يدعو إلى أهمية أن تراعي الجهة التعليمية (وكل الجهات الحكومية الأخرى) علاقة أحد أفرادها (الموظفة) بهذه الفئة المهمة والتي تتطلب أن تتاح لها الظروف الملائمة للقيام بهذا الواجب الإنساني والإسلامي الذي تتميز به حضارة بلادنا عن غيرها من الحضارات التي مآل كبير السن فيها إلى دار العجزة فقط. ما لم تراعِ المؤسسات شخصيتنا الحضارية من خلال تنظيمات تحفظ هذه الهوية الاجتماعية الجميلة فإنها قد تتآكل مع الزمن ونخسرها كحضارة متفردة لنذوب تالياً في قيم الحضارة المادية الزائفة.
**
– مدير عام تعليم سابقاً