مؤشرات سلبية تهدد أسواق السلع الفاخرة
رغم الآفاق القاتمة التي تواجه الاقتصاد العالمي، سجلت سوق السلع الفاخرة مقاومة لتلك الآفاق، لتشهد ازدهاراً نسبياً في فترة ما بعد جائحة كورونا، بما أهلها لتحقيق نمو بنسبة من 19 إلى 21 بالمئة في 2022 (وفقاً لتقديرات شركة Bain الاستشارية).
شكّل ذلك دفعة لمزيدٍ من التفاؤل بخصوص مواصلة الزخم في العام الجاري 2023 لتسجيل نمو بنسبة 10 بالمئة، لكنّ الرياح تأتي فيما لا تشتهي السفن، بعد أن أظهرت السوق علامات سلبية.
عززت عديد من العوامل تلك العلامات “السلبية” وقد حددها رئيس مجلس الإدارة في فالنتينو وبالمان، رشيد محمد رشيد، في مقابلة سابقة له مع “بلومبيرغ”، ومنها تباطؤ السوق الأميركي في ظل معاناة متاجر التجزئة بالبلاد وتراجع الإنفاق، فضلاً عن الانتعاش البطيء في الصين، وكذلك أثر ارتفاع أسعار الطيران والفنادق في توجيه السائحين في أوروبا لتقليص الإنفاق على السلع الفاخرة.
وتشير تقديرات مورغان ستانلي، إلى انخفاض الإنفاق على الرفاهية بـ “أرقام فردية منخفضة” في كل من الولايات المتحدة وأوروبا خلال العام الجاري.
ويشار إلى أنه بعد الانكماش الحاد مع إغلاق العالم في أوائل العام 2020، انتعش القطاع بسرعة إلى 1.15 تريليون يورو في العام 2021.
طبيعة المستهلك
وفي هذا السياق، يقول مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه كان من الطبيعي أن تحقق سوق السلع الفاخرة نمواً عقب جائحة كورونا وعلى المدى القصير، موضحاً أن طبيعة المستهلك أنه يقبل على شراء السلع التي كان محروماً منها لفترة طويلة، وبالتالي كان لديه مخزون من الرغبة في استهلاك تلك السلع، بينما على المدى الطويل ومع التأثر بالأزمات الاقتصادية المتلاحقة خفض من الاستهلاك بطبيعة الحال.
تأثر نمو سوق السلع الفاخرة عالميًا بشكل سلبي خلال الفترة الماضية، وفقاً لمستشار البنك الدولي، بسببين رئيسيين، وهما:
- تأثر سوق السلع الفاخرة شأنها كشأن باقي الأسواق التي تأثرت بفعل الموجة التضخمية التي يعاني منها العالم، وحالة اللايقين التي تسود الاقتصادات، إضافة إلى الأزمات التي ضربت سلاسل الإمداد.
- طبيعة تلك السلع هي سلع عالية المرونة، ما يعني أن أية زيادة في سعرها يقابله انخفاض في الطلب، فأي ارتفاع بسيط في الأسعار يدفع قدر كبير من الأفراد للتخلي عن هذه السلع بخلاف السلع منخفضة المرونة، كمية الطلب عليها لا تنخفض بعد ارتفاع سعرها.
وأشار إلى أن الأحداث العالمية التي وقعت وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، أدت لانخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين، وهو ما قلل من القدرة الشرائية للعملات، لينخفض الطلب على تلك السلع والمقبلين على اقتنائها.
وتابع: “مع الضغوط التضخمية يمكن أن تتحول بعض السلع الأساسية إلى سلع رفاهية وكمالية عند بعض الفئات”، مؤكدًا أن أولوية الاستهلاك تغيرت سواء من ناحية نوع السلعة أو كميتها. كما توقع أن تستمر سوق السلع الفاخرة بالتراجع حتى تستقر معدلات التضخم عالمياً، وأن تتغير خارطة الاستهلاك لتلك السلع مستقبلًا، موضحاً أن هذا الأمر مرهون بعدة عوامل، منها:
- مدى استمرار الأزمة الاقتصادية الحالية.
- تغير النمط الاستهلاكي للمجتمعات.
- بعض الدول تلجأ إلى عديد من الإجراءات التقشفية، ما سيكون له تأثيراً سلبياً على هذا السوق.
استثناءات العرض والطلب
فيما قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن سوق السلع الفاخرة حقق نمواً في ظل الاضطرابات التي شهدها العالم عقب جائحة كورونا في العام 2020 (..) ذلك أن الطبقات ذات الدخول المرتفعة لا يمكن تقييم علاقتها بالطلب على السلع أو الكميات المطلوبة، مثلما يحدث مع السوق ككل، وبالتالي هناك “اسثتناءات” في تعميم قاعدة العرض والطلب.
ولفت إلى أنه على سبيل المثال قد يتأثر الطلب على السيارات من الفئة B-Class، بينما السيارات ذات الفئة الأعلى يكون الطلب عليها مرتفعاً لأن الشريحة التي تطلبها مرتفعة الدخل.
وبشأن المؤشرات التي تقود إلى احتمالات تراجع سوق السلع الفاخرة أخيراً، أرجع الخبير الاقتصادي ذلك إلى عاملين أساسيين وهما:
- تزايد معدلات التضخم منذ العام الماضي على مستوى العالم، ما كان له تأثير حتى وإن كان بسيطاً على هذه السوق، لكنه خفض من الطلب نسبياً بالنسبة لبعض الفئات، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع حتى منتصف العام المقبل.
- الأزمة الروسية الأوكرانية، وبعض المخاوف لدى المستهلكين في دول العالم، بالأخص بالنسبة للأوروبيين حول تطور الأزمة.
وبحسب بيانات منصة statista، فإن:
- من المتوقع أن تنمو السوق سنوياً بنسبة 3.38 بالمئة حتى 2028.
- أكبر قطاع في السوق هو قطاع الأزياء الفاخرة، بحجم سوق تبلغ 111.50 مليار دولار أميركي في العام الجاري 2023.
- تم تحقيق معظم الإيرادات في الولايات المتحدة (75,690.00 مليون دولار أميركي مرجح في العام الجاري 2023).
- في سوق السلع الفاخرة، سيتم تحقيق 13.9 بالمئة من إجمالي الإيرادات من خلال المبيعات عبر الإنترنت بحلول عام 2023.
وبخلاف التقديرات المرتبطة بتراجع السوق، كانت دراسة سابقة أجرتها شركة Bain & Company الأميركية، ونشرت نتائجها منتصف العام الجاري، قد توقعت نمو السوق (قطاعات الحقائب والملابس والساعات والمجوهرات) بنسب تتراوح بين 5 إلى 12 بالمئة في عام 2023، بعد المعدلات القياسية في 2022، وذلك برغم الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
تغير في توجهات الاستهلاك
ورأى الرئيس التنفيذي بمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، أن توجهات الاستهلاك تغيرت كثيراً في السنوات التي أعقبت جائحة كورونا خاصة في دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه في العامين التاليين للجائحة كان هناك خلل بالأرقام التي تعكس حالات النمو والانخفاض في الأسواق المختلفة (..)، لافتًا إلى أن التقديرات المرتبطة بانخفاض نمو سوق السلع الفاخرة أخيراً هي مؤشر على التوقعات المستقبلية أو الأداء الواقعي للاقتصاد العالمي ككل.
وفيما أوضح أنه على سبيل المثال في بريطانيا شهدت مبيعات هذه السلع انخفاضا عن العام الماضي، فقد شدد على أن العالم تغير بعد الجائحة، وأن الاستهلاك بسوق السلع الفاخرة من ناحية التجزئة تغير أيضاً، وخاصة لدى مقارنة أداء العام الجاري مع العام السابق، ما يشير إلى تباطؤ وانخفاض النمو، وهو دليل على التباطؤ الاقتصادي خاصة في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
اندماجات
وكان تقرير نشرته “بلومبيرغ” قد تحدث عن ازدهار سوق الاندماجات في قطاع “السلع الفاخرة” في ظل الصورة القاتمة بشكل نسبي في القطاع، مستدلاً على ذلك بموافقة شركة الأزياء الفاخرة الأميريكية Tapestry في شهر أغسطس الماضي على الاستحواذ على شركة “كابري هولدينجز”وهي الصفقة التي قدرت بـ 8.5 مليار دولار. فضلاً عن استحواذ شركة مستحضرات التجميل الأميركية إستي لودر على شركة توم فورد، في صفقة بلغت قيمتها 2.8 مليار دولار.
كما وافقت شركة السلع الفاخرة الفرنسية كيرينغ، في يوليو، على شراء حصة 30 بالمئة في فالنتينو، وهي الصفقة التي من المرجح إغلاقها نهاية العام الجاري.