خيبة أمل رئيسي البرلمان إزاء ضعف نتائج تقديم العرائض والملتمسات
خلص لقاء تواصلي بمجلس النواب، الخميس، إلى ضرورة تفعيل آليتي الديمقراطية التشاركية وتوسيع المشاركة المواطنة من أجل برلمان منفتح يمكن هيئات المجتمع المدني من ممارسة الحق في العرائض والملتمسات.
ويندرج تنظيم هذا اللقاء التواصلي، حول “تقديم العرائض والملتمسات: من أجل مشاركة ديمقراطية مواطنة”، في إطار سياسة الانفتاح على المجتمع المدني التي يعتمدها مجلس النواب وإشراكه في عملية التشريع وصناعة السياسات العمومية وتقييمها، بالإضافة إلى تنزيل توصيات النموذج التنموي فيما يتعلق بالديمقراطية التشاركية.
ودعا المتدخلون، في الجلسة الافتتاحية التي ترأستها رئيسة لجنة العرائض، خديجة زومي، إلى ضرورة إطلاق دينامية جديدة في الديمقراطية التشاركية المواطنة لتقوية الديمقراطية التمثيلية سواء على مستوى التكوين أو التأطير أو المساطر، وذلك من أجل إعلاء منسوب الثقة في المؤسسات الدستورية.
وفي كلمة له، تطرق رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي إلى سبل تمكين المجتمع المدني من إثراء الديمقراطية وممارسة الحقوق التي يكفلها له الدستور والتشريعات ذات الصلة، وتأطير مبادرات المواطنين في مجال تقديم العرائض إلى السلطات العمومية والتمثيلية، وملتمسات التشريع إلى السلطة التشريعية.
وفي هذا السياق، اعتبر الطالبي العلمي أن ما تحقق إلى حدود اليوم في هذا المجال “لا يرقى إلى مستوى الطموح الوطني المشترك، ولا يعكس دينامية وقوة وامتدادات المجتمع المدني المغربي الذي تميز على مدى عشرات السنين مساهما في إثراء الحقل الثقافي وتجسيد التنوع، وفي تحقيق التنمية وتقوية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومدافعا عن حقوق الإنسان، بعد أن ساهم في الحفاظ على الشخصية المغربية والتوعية الوطنية في مواجهة الاستعمار البائد”.
وتوقف عند الصعوبات التي تجعل الحصيلة الوطنية فيما يخص الديمقراطية التشاركية ودور المجتمع المدني في إعمالها دون الطموح المشترك، وأبرزها المساطر، المهارات الضرورية، تدبير التواصل، توظيف واستغلال المعلومات، ونجاعة اختيار مضمون المبادرة المواطنة، مشددا على ضرورة العمل بشكل تشاركي لتجاوزها لتبويئ الهيئات المدنية والديمقراطية التشاركية مركزا مهما في الهندسة الدستورية.
من جانبه، أكد رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، في كلمة تلاها نيابة عنه الخليفة الأول للمجلس، محمد حنين، الأهمية البالغة التي يمكن أن تؤديها الديموقراطية التشاركية باعتبارها آلية تساعد على الاستيعاب الإيجابي والمنتج لمختلف التحولات والحركات الاجتماعية وتسريع التفاعل مع المواطنين في همومهم وقضاياهم وفي مبادراتهم المدنية المساهمة في التشخيص الواقعي للمشاكل المطروحة واقتراح الحلول والبدائل العملية لها والتي قد تصل حد المجال التشريعي.
وأضاف ميارة أن هذه الدينامية تؤدي الى إقامة التوازن المطلوب اجتماعيا وسياسيا، وتساهم في تقليص الهوة بين المجتمع السياسي و المجتمع المدني وتوطيد منسوب الثقة في العلاقة بينهما بفضل تنوع روافد المبادرات وتقوية آليات النقاش السياسي والديمقراطي التعددي والحوار المجتمعي الهادئ.
وسجل أنه إذا كان الإطار التشريعي والقانوني المنظم لممارسة الحق في تقديم الملتمسات والعرائض إطارا جيدا يستجيب للمعايير الدولية في كثير من مقتضياته، فإن “دخوله حيز التنفيذ لم يمكن لحد الساعة من تحقيق النتائج المتوخاة بالرغم من العمل التحسيسي المتواصل لدى جمعيات المجتمع المدني من خلال العديد من اللقاءات التواصلية والندوات العلمية ذات الصلة”.
وأكد ميارة انفتاح مجلس المستشارين على جميع الاقتراحات و المبادرات التي من شأنها المساهمة في تحقيق الممارسة الفعلية للديموقراطية التشاركية، مشيرا إلى أن هذا الأخير بصدد تشكيل “لجنة العرائض” لدى مكتب المجلس تفعيلا لنظامه الداخلي، وتمكينها من كافة وسائل العمل المادية والبشرية الضرورية للقيام بالمهام الموكولة إليها، كما أنه يضع اللمسات الأخيرة على مراجعة وتحديث هيكله الإداري ليستوعب أكثر الأدوار الجديدة للمجلس بما في ذلك إحداث بنية إدارية لتلقي الملتمسات والعرائض، والقيام بمراجعة شاملة لموقعه الإلكتروني على شبكة الأنترنيت من أجل تعزيز تواصله مع محيطه الخارجي والاستجابة أكثر لمتطلبات الديموقراطية التشاركية.
في سياق ذي صلة، نوه الكاتب العام للوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، اسماعيل العلوي الإسماعيلي، بالجهود المبذولة من طرف مجلسي البرلمان في مجال الديمقراطية التشاركية على المستويين القانوني والمؤسساتي، مبرزا أن المستوى الأول تعكسه المقتضيات القانونية التي تضمنها النظامان الداخليان لمجلسي البرلمان، سواء المعبرة صراحة عن تبني الأحكام الدستورية ذات الصلة بالديمقراطية التشاركية، أو التي تعكس حرص المجلسين على الانفتاح والتواصل مع هيئات المجتمع المدني، أو تلك التي تنظم الجوانب المسطرية في إطار تفاعل المجلسين مع المشاركة المواطنة عبر آليتي الملتمسات والعرائض.
ولفت الإسماعيلي، إلى أن الوزارة عملت منذ مسلسل تنزيل الأحكام الدستورية المتعلقة بالمشاركة المواطنة وآليات الديمقراطية التشاركية، على إعداد القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد شروط وكيفيات تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، وبتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع.
وأوضح أن التعديلات التي أجريت على القانونين التنظيميين كانت بمبادرة برلمانية توخت تيسير ممارسة هذين الحقين الدستوريين والتخفيف من الشروط القانونية المطلوبة، والتي أسفرت عن تقليص عدد التوقيعات المطلوبة لدعم العريضة من 5000 إلى 4000، وتقليص عدد التوقيعات المطلوبة لدعم الملتمس من 25000 إلى 20000، فيما تم حذف شرط إرفاق العريضة أو الملتمس بنسخ من البطائق الوطنية للتعريف لمدعمي العريضة أو الملتمس.
وتفاعلا مع مختلف المداخلات، شدد ممثل سفارة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، جون كريستوف فيلوري، على أن حقوق الإنسان تشمل الديمقراطية التشاركية والتمثيلية، كما هي مضمنة في المادة25 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، مبرزا أن الديمقراطية التشاركية لا تعوض الديمقراطية التقليدية التي تعكسها صناديق الاقتراع، ولكنها تقويها وتعززها.
ولفت ممثل سفارة الاتحاد الأوروبي إلى أن الاتحاد يدعم بقوة الديمقراطية التشاركية بالمغرب على مستوى ثلاثة محاور رئيسية وهي المساواة والبيئة والشباب وذلك بتنسيق مع مختلف الفاعلين، بغية خلق فضاء للتشاور والحوار والتشاركي.
واعتبر فيلوري أن هذا اللقاء التواصلي يتيح تقاسم التجربة المغربية والأوروبية في مجال المشاركة المواطنة للجمعيات والأفراد في الشأن العام، مؤكدا أن المجتمع المدني يلعب دورا لافتا في ظل المتغيرات الجيوستراتيجية.
جدير بالذكر أن اللقاء التواصلي سيعرف، في شقه الأكاديمي، تقديم رؤى متقاطعة حول الديمقراطية التشاركية فضلا عن عرض حصيلة وآفاق الديمقراطية التشاركية في ضوء التجارب السويسرية والبرتغالية والفنلندية.
عن (و.م.ع)