خمسة أشهر وسكان غزة يواصلون إحصاء القتلى الذين يقترب عددهم من ثلاثين ألفا
في قطاع غزة، المقابر لم تعد تتسع للقتلى منذ وقت طويل، لكن الموت لم يتعب. مع اقتراب عدد القتلى من الثلاثين ألفا، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، يواصل سكان غزة إحصاء قتلاهم.
تكاد إيمان مسلم لا تصدق أن هذا العدد من الضحايا سقط خلال أقل من خمسة أشهر منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي. وتشير المعلمة الفلسطينية إلى أن عدد القتلى على الأرجح أكبر بكثير مع وجود جثث تحت الأنقاض لم يتسن انتشالها بسبب استمرار القتال وعدم توافر المعدات.
وتقول مسلم (30 عاما) التي نزحت إلى ملجأ تابع للأمم المتحدة في رفح جنوبا، “العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير”.
وتضيف “لا نعرف كم سيرتفع عدد الشهداء عندما تنتهي الحرب”.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس الثلاثاء ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 29878 شخصا، والجرحى الى 70215 منذ بدء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل.
في خان يونس ورفح في الجنوب، في دير البلح وبيت لاهيا في الوسط، في مدينة غزة وجباليا في الشمال، وغيرها من المناطق، يسقط القتلى بالعشرات يوميا، في غارات جوية إسرائيلية أو قصف مدفعي أو رصاص قناصين.
يردد سكان غزة الذين نزح منهم أكثر من 1,8 مليون أن “لا مكان آمنا” في قطاع غزة، ويقول كثيرون إنهم “ينتظرون دورهم”.
تدفن العائلات أفرادا منها يقتلون وسط ظروف قاسية لا تسمح لهم حتى بالحزن: صلاة سريعة ومقابر مستحدثة بسبب امتلاء المقابر أو الظروف الأمنية، فيحفرون الأرض في باحات المستشفيات والمدارس والملاعب الرياضية. حتى الأكفان تنقص أحيانا.
وبسبب نقص الوقود، يقوم الناس بنقل الجثامين من المستشفيات مثلا إلى المقابر بواسطة شاحنات نقل صغيرة أو عربات تجرها الحمير.
ودفع عدد القتلى الكبير العاملين في المستشفيات غير المجهزة إلى إيجاد بدائل لثلاجات الموتى الممتلئة، فاستخدموا شاحنات المثلجات.
ولم ينعم الموتى بالسلام. فقد أقرت إسرائيل باستخراج بعض الجثث من المقابر كجزء من جهودها لمحاولة التعرف على جثث محتملة لرهائن قتلوا في الحرب.
وقال الجيش إن “الجثث التي لا تعود إلى الرهائن تعاد إلى مكانها باحترام”.
وشاهد مصور لوكالة فرانس برس الأسبوع الماضي في رفح في أقصى جنوب القطاع المحاصر رجلا يحمل جثة ملفوفة بكفن، وهو مشهد يتكرر عشرات المرات في اليوم قادما من مناطق مختلفة في قطاع غزة. على الكفن، كتب بخط أسود باليد اسم قتيلة مع عبارة “الطفلة الشهيدة”.
وروى الرجل عبد الرحمن محمد جمعة بينما بدت بقعة دماء كبيرة على الكفن، وقد وقف بالقرب من عدد من الجثث الملفوفة بأكفان بيضاء أو بأكياس سوداء للموتى، أنه بعد إحدى الغارات، “وجدت زوجتي مرمية في الطريق وكانت أشلاء، ثم رأيت رجلا في الطريق يحمل طفلة، ركضت إليه، وقلت له هذه ابنتي”. وأضاف “نعيش في عالم ظالم، وليس لنا إلا الله”.
واستحالت أجزاء كبيرة من قطاع غزة الممتد بطول أربعين كيلومترا مع مساحة إجمالية تناهز الـ360 كيلومترا مربعا، إلى ركام. وتقول إسرائيل إنها تستهدف مواقع لحركة حماس التي تتهمها باستخدام المدنيين كـ”دروع بشرية”، وقياديين فيها، والأنفاق التي حفرتها الحركة الإسلامية الفلسطينية.
وبدأت الحرب بعد هجوم غير مسبوق لحركة حماس على الدولة العبرية تسبب بمقتل أكثر من 1160 شخصا، وفق أرقام رسمية إسرائيلية.
وتواجه الدولة العبرية ضغوطا من أهالي 130 رهينة ما زالوا محتجزين في قطاع غزة من أصل 250 أخذهم مقاتلو حماس معهم إبان الهجوم. وقد يكون قتل 31 منهم.
وتتولى وزارة الصحة في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس إحصاء القتلى والجرحى. وتؤكد بيانات الوزارة باستمرار أن 70 في المائة من القتلى هم من النساء والأطفال.
ولا تذكر تلك البيانات عدد المسلحين الذي قضوا في القتال لكن الجيش الإسرائيلي يقول إن بيانات الوزارة تضم نحو عشرة آلاف من مقاتلي حماس على الأقل.
وتضم بيانات وزارة الصحة أيضا إحصاءات حول الطواقم الطبية وأفراد الدفاع المدني والصحافيين الذي يغطون الحرب.
وقالت لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك، إنه حتى 24 فبراير الجاري، قتل 88 إعلاميا على الأقل منذ بدء الحرب.
وتشكك إسرائيل في دقة الأرقام التي تعلنها حكومة حماس وتنفي استهدافها المتعمد للمدنيين أو العاملين في القطاعين الطبي والصحافي.
ووصف رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قطاع غزة بأنه “منطقة موت”.
وتصف مسلم ما يحدث في قطاع غزة بأنه “أكبر مجزرة في التاريخ الحديث”.
وتقول “المقاومون من حماس قاموا بالهجوم واختبأوا تحت الأرض، اليهود لم يصلوا إلى المقاومة لذلك انتقموا من الشعب الغلبان”.
وتتساءل “ما ذنبنا نحن المدنيين ليُقتل أبناؤنا وأطفالنا؟”.
(وكالات)