سياسة

النيابات العامة واعية بضرورة عقلنة تدبير الاعتقال ودأبت على عدم اللجوء إلى إعماله إلا عند الضرورة (بلاغ)

دخلت رئاسة النيابة العامة على خط أزمة بلاغ مندوبية السجون حول ارتفاع ظاهرة الاعتقال، وانتقاد بعض من جمعيات القضاة له لتصدر بلاغا مطولا شددت فيه على أن النيابات العامة بالمغرب واعية بضرورة عقلنة تدبير الاعتقال لأنها دأبت على عدم اللجوء إلى إعماله إلا عند الضرورة، ومن ثم تكشف النيابة العامة، أن “عدد المعتقلين احتياطيا بالمؤسسات السجنية إلى غاية شهر يوليوز من هذه السنة عرف انخفاضا، حيث بلغ حوالي 39% مقابل 40% خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وعلى عكس النسب المسجلة خلال السنوات الفارطة”.

وبالنسبة للإشكال المطروح حول ارتفاع ظاهرة الاعتقال، فإن الأمر يتطلب حسب رئاسة النيابة العامة “العمل المتواصل من أجل تغيير الثقافة السائدة حاليا لدى فئات من المواطنين الذين يرون أن العدالة الجنائية الناجعة تكمن في الاعتقال، وأن الردع الصائب هو العقوبات السالبة للحرية في جميع القضايا، وإلا فإن هذه العدالة تبقى منتقدة وغير مجدية، علما أن القضاء بصفة عامة لا يأبه بهذا الاتجاه، وإنما يحرص على التطبيق السليم والملائم للقانون.

وأمام هذه الوضعية فإن الأمر يقتضي معالجة موضوع اكتظاظ المؤسسات السجنية من خلال مقاربات متعددة تروم أنسنة المؤسسات السجنية، وتوفير الظروف الملائمة للعاملين بها لأداء مهامهم بيسر، مع استحضار استمرارية ضمان أمن وسلامة المجتمع”.

وفي هذا الصدد، أكدت  رئاسة النيابة العامة، على “أهمية ما ورد ببلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من حيث تشخيص وضعية المؤسسات السجنية والمطالبة بالإسراع بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية لتفادي الانعكاسات المشار إليها بالبلاغ”، معلنة على “أنها سوف تواصل دورها التأطيري والتحسيسي لقضاة النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من تدابير وفق ما يفرضه القانون من أجل بذل المزيد من الجهود ما أمكن بهدف ترشيد الاعتقال الاحتياطي في أفق تحقق الأهداف المأمولة السالف ذكرها”.

وفي هذا الإطار أيضا ، كشفت رئاسة النيابة العامة عزمها على الدعوة لعقد لقاء خلال شهر شتنبر المقبل يجمع المؤسسات والجهات المعنية لمناقشة الموضوع، وكل الآراء والمقترحات والإمكانيات المناسبة لتجاوز كل الصعوبات والإكراهات التي ترتبط بتدبير الاعتقال الاحتياطي ووضعية المؤسسات السجنية في أفق تدخل المشرع في المنظور القريب لإيجاد الحلول التشريعية المنتظرة، سواء ما يتعلق بسن مقتضيات حديثة من شأنها تعزيز بدائل الاعتقال الاحتياطي، والتعجيل بإخراج المقتضيات المتعلقة ببدائل العقوبات السالبة للحرية، وأيضا قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي بصفة عامة.

وقالت النيابة العامة في بلاغها: “وإذ نشاطر المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج قلقها بشأن وضعية المؤسسات السجنية وفق ما جاء في بلاغها، لما لذلك من انعكاس سلبي على ظروف إقامة ساكنتها وعلى حسن تدبيرها، فإنها تشيد بداية بكل الجهود التي تبذلها المندوبية بغاية تجويد ظروف إيواء هذه الساكنة بكل حمولاتها وحسن تدبير المؤسسات السجنية ومختلف المبادرات الجيدة الرامية إلى إعادة إدماج السجناء”.
وعادت رئاسة النيابة العامة، في إطار الحق في الحصول على المعلومة المكرس بمقتضى الدستور والقانون لتحيط الرأي العام ببعض التوضيحات حول العوامل والإكراهات التي تتحكم في عدد نزلاء المؤسسات السجنية بالبلاد.

مؤكدة أن “التطور النوعي الذي عرفته مظاهر الجريمة في السنوات الأخيرة سواء من حيث خطورة الأفعال المرتكبة أو الوسائل المستعملة فيها أو طبيعة الأشخاص الذين يقترفونها، لا سيما الذين يوجدون في حالات العود، وما لذلك من انعكاس على طمأنينة وسكينة المواطن والمجتمع، فرض على كل الجهات الساهرة على إنفاذ القانون التصدي لكافة هذه المظاهر بهدف الحفاظ على أمن وسلامة الأشخاص وحماية ممتلكاتهم، وفي هذا السياق بذلت المصالح الأمنية والشرطة القضائية بكل أصنافها ولازالت جهودا مضنية لمواجهة كل الخارجين عن القانون، وضبطهم وإحالتهم على النيابات العامة المختصة، حيث بلغ عددهم خلال النصف الأول من السنة الجارية 2023 حوالي 309259 شخصا، أغلبهم من أجل الاتجار في المخدرات، وشغب الملاعب المرتبط بالتظاهرات الرياضية، وجرائم الأموال والجرائم المالية التي تندرج في إطار مواجهة الفساد المالي والاعتداء على الأشخاص سواء في إطار عصابات إجرامية أو السرقات الموصوفة أو غيرها من الجرائم الخطيرة”.
وفي هذا السياق، أعلنت المندويية، أن “المجهودات التي قامت بها مصالح الشرطة القضائية بكل أصنافها في إطار إسهامها في عدم الإفلات من العقاب وتطويق الفارين من العدالة أسفرت عن توقيف حوالي 162545 شخصا كانوا موضوع برقيات بحث على الصعيد الوطني، خلال النصف الأول من هذه السنة 2023، تمت إحالتهم على النيابات العامة المختصة من أجل اتخاذ الإجراء القانوني المناسب في حقهم”.
وفي نفس الإطار حرصت النيابات العامة أيضا على “تنفيذ الأحكام الباتة القاضية بعقوبات سالبة للحرية الصادرة في مواجهة المحكومين في حالة سراح، حيث تفاعلا مع ذلك بذلت مصالح الشرطة القضائية مجهودات متميزة في سبيل ضبط هؤلاء المحكوم عليهم وإيداعهم بالمؤسسات السجنية المعنية”. كما “تم كذلك إيداع مجموعة من الأشخاص الصادرة في مواجهتهم أوامر بالإكراه البدني بعدما تخلفوا عن أداء الغرامات المالية، أو الديون العمومية أو الخصوصية المتخلدة في ذمتهم وفق ما يفرضه القانون، ومن ثم تضيف رئاسة النيابة العامة، فمن دون شك، فإن كل هذه العوامل ساهمت في ارتفاع عدد ساكنة المؤسسات السجنية.

وقال البلاغ أيضا: “لما كان توفير الأمن والطمأنينة لكافة أفراد المجتمع وضمان حقوقهم وسلامتهم الجسدية يشكل أحد أولويات السياسة الجنائية، فقد عملت رئاسة النيابة العامة باعتبارها الجهة المشرفة على حسن تنفيذها على حث النيابات العامة على التفاعل بالمسؤولية اللازمة مع الأشخاص المقدمين أمامها من أجل ارتكابهم للأفعال ذات الخطورة، وذلك في إطار الملاءمة والتوازن ما بين ضمان حماية سلامة المواطنين وممتلكاتهم من جهة، والحفاظ على حقوق وحريات المشتبه فيهم من جهة أخرى، مع مراعاة وضعية الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية”.
وانسجاما مع هذا التوجه، شدد بلاغ النيابة العامة، على أنه “وعيا من النيابات العامة بضرورة عقلنة تدبير الاعتقال فقد دأبت على عدم اللجوء إلى إعماله إلا عند الضرورة، وهو ما تعكسه نسبة الاعتقال التي لم تتجاوز 24% من بين المقدمين أمامها والبالغ عددهم (309259)، خلال النصف الأول من هذه السنة، وهي نسبة تبقى جد معقولة مقارنة مع النسب المرتفعة المسجلة لدى بعض الدول الأخرى”.
وانطلاقا مما سلف يضيف البيان “فقد عرف عدد المعتقلين احتياطيا بالمؤسسات السجنية إلى غاية شهر يوليوز من هذه السنة انخفاضا، حيث بلغ حوالي 39% مقابل 40% خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وعلى عكس النسب المسجلة خلال السنوات الفارطة الممتدة من سنة 2010 التي تراوحت ما بين 38 % و47 % إذ بلغت هذه النسبة على سبيل المثال سنة 2010 43% وخلال سنة 2011 حوالي %47 مما يوحي بأن تدبير الاعتقال يتماشى مع تطور الجريمة صعودا أو نزولا منذ أمد بعيد”.
وأضاف بلاغ النيابة العامة “إذا كانت هذه النسب المسجلة بشأن معدلات الاعتقال الاحتياطي لا ترقى إلى طموح رئاسة النيابة العامة رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار، فإنها تبقى مقبولة مقارنة مع نسب الاعتقال الاحتياطي المسجلة في بعض دول الاتحاد الأوربي بحسب الأرقام التي نشرها مجلس أوربا خلال سنة 2022، كما هو الحال بالنسبة لهولندا 45،2% وبلجيكا 38،4% ، وفرنسا 28،5 % ، وإيطاليا 31،5% ، والدانمارك 41،3% ، واللكسومبورغ 43،3% “.
وعلى الرغم من انخفاض نسبة الاعتقال خلال النصف الأول من هذه السنة بحسب ما أشير إليه أعلاه، والجهود المبذولة من طرف النيابات العامة بشأن ترشيد الاعتقال الاحتياطي، قالت النيابة العامة “فإن فئات مختلفة داخل المجتمع دأبت في مناسبات عدة وعبر العديد من المنابر بما في ذلك وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها على المطالبة بتفعيل آلية الاعتقال لردع مرتكبي الجرائم حتى ولو كانت بسيطة بدل المتابعة في حالة سراح، انسجاما مع ما ترسخ من ثقافة لديها بأن تحقيق العدالة والزجر لا يكون إلا بالاعتقال وصدور أحكام بعقوبات سالبة للحرية، ومع ذلك فإن قضاة النيابة العامة يلتزمون بالتطبيق السليم للقانون دون تأثر بما ذكر حيث يجنحون في إطار اعتماد مبدأ الملاءمة إلى عقلنة تدبير وضعية الاعتقال، واعتمادها في مستواها الأدنى بالنسبة لأغلبية الأشخاص المقدمين أمامها، وهو نفس الاتجاه الذي يعتمده السادة قضاة التحقيق في إطار سلطتهم التقديرية واستقلاليتهم” .

وكشفت النيابة العامة في بيانها أنه “تبعا للتفاعل الإيجابي بين رئاسة النيابة العامة والمصالح المركزية للشرطة القضائية بكل أصنافها الهادف إلى الرفع من النجاعة القضائية من خلال ترشيد إنجاز الأبحاث الجنائية داخل أجل معقول”، معلنة أن “الأبحاث أصبحت تنجز في أغلبها خلال ثلاثة أشهر مع إحالة العديد من المعنيين بها على النيابات العامة المختصة حيث يتخذ تدبير الاعتقال الاحتياطي في حق القليل منهم متى توفرت موجبات لذلك، لا سيما خطورة الأفعال أو انعدام الضمانات، كما هول الحال على سبيل المثال في جرائم الشيكات بدون مؤونة، والنصب والتزوير، والاتجار بالبشر وغيرها”.
هذا وللإحاطة بتصنيف الساكنة السجنية فقد توزعت خلال سنة 2022 حسب معطيات بلاغ رىاسة النيابة العامة دائما على نحو ما يلي: “حوالي 30% من أجل الاتجار في المخدرات، و31% في إطار الجرائم المالية وجرائم الأموال، و30% من أجل جرائم الاعتداءات الخطيرة على الأشخاص، كالقتل أو تكوين عصابات إجرامية أو استعمال السلاح الأبيض إلى آخره… “.
كما يجدر التذكير بأن” القضايا الزجرية بالمحاكم تشكل حوالي 62%، من مجموع القضايا الرائجة بها وأن قضاة الحكم يبذلون مجهودات جبارة من أجل تصفيتها داخل آجال معقولة رغم عدة إكراهات مرتبطة بالجانب القانوني والواقعي، ولا سيما مسألة التبليغ. وهو ما تعكسه نسبة 87% من القضايا الزجرية المحكومة خلال سنة 2022، حيث يتجاوز معدل عدد الأحكام التي أصدرها كل قاض ألفي (2000) حكم، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصاص في عدد القضاة بصفة عامة، علما أن هذا المعدل يتجاوز ما هو مسجل لدى بعض الدول” .
وأشار بيان رئاسة النيابة العامة، إلى أنها “ما فتئت تعمل جاهدة على مواكبة موضوع الاعتقال، والتفاعل مع وضعية المؤسسات السجنية التي تعرف بعضها اكتظاظا في ساكنتها من خلال توجيه عمل النيابات العامة بمقتضى دوريات أو عقد اجتماعات مع مسؤوليها، وأيضا عبر تنظيم دورات تكوينية في هذا المجال، مع الأخذ بعين الاعتبار التلازم بين مواجهة استفحال الجريمة وحماية المواطن والمجتمع من آثارها كأولوية، انطلاقا من مبدأ التزامات الدولة في هذا الاتجاه، وتفاديا لنسف جهود المصالح الأمنية والشرطة القضائية في محاربة الجريمة من جهة، وتكريسا لدور القضاء في تفعيل مبدأ حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحريتهم وأمنهم القضائي طبقا لمقتضيات المادة 117 من الدستور من جهة أخرى، ومن ثم فإن المبالغة في اعتماد المرونة في الإبقاء على المتورطين في جرائم تتسم بنوع من الخطورة في حالة سراح، سوف تكون له عواقب وخيمة على أمن المجتمع والأفراد على حد سواء.
وانطلاقا من هذه الإكراهات فإن مقاربة معالجة الجريمة تختلف من دولة لأخرى حسب خصوصيتها والثقافة السائدة لدى مواطنيها”.

وبالنسبة للإشكال المطروح حول ارتفاع ظاهرة الاعتقال، فإن الأمر يتطلب حسب رئاسة النيابة العامة “العمل المتواصل من أجل تغيير الثقافة السائدة حاليا لدى فئات من المواطنين الذين يرون أن العدالة الجنائية الناجعة تكمن في الاعتقال، وأن الردع الصائب هو العقوبات السالبة للحرية في جميع القضايا، وإلا فإن هذه العدالة تبقى منتقدة وغير مجدية، علما أن القضاء بصفة عامة لا يأبه بهذا الاتجاه، وإنما يحرص على التطبيق السليم والملائم للقانون.
وأمام هذه الوضعية فإن الأمر يقتضي معالجة موضوع اكتظاظ المؤسسات السجنية من خلال مقاربات متعددة تروم أنسنة المؤسسات السجنية، وتوفير الظروف الملائمة للعاملين بها لأداء مهامهم بيسر، مع استحضار استمرارية ضمان أمن وسلامة المجتمع”.
وفي هذا الصدد، أكدت  رئاسة النيابة العامة، على “أهمية ما ورد ببلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من حيث تشخيص وضعية المؤسسات السجنية والمطالبة بالإسراع بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية لتفادي الانعكاسات المشار إليها بالبلاغ”، معلنة على “أنها سوف تواصل دورها التأطيري والتحسيسي لقضاة النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من تدابير وفق ما يفرضه القانون من أجل بذل المزيد من الجهود ما أمكن بهدف ترشيد الاعتقال الاحتياطي في أفق تحقق الأهداف المأمولة السالف ذكرها”.
إلى ذلك، كانت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أصدرت بتاريخ 07 غشت 2023، بيانا أثار وضعية المؤسسات السجنية من خلال ارتفاع عدد الساكنة بها وما ترتب عنه من اكتظاظ نتيجة تزايد وتيرة الاعتقال مع ما قد ينجم عن ذلك من اختلالات وآثار سلبية وفق ما تضمنه البلاغ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى