لم يعد التقنين عقبة أمام تطوير السلطة القضائية في المملكة كما أن فكرة القانون لم تعد منبوذة فقد أصبح ذلك جزءًا من الماضي، فقد تبنت المملكة تطوير الجهاز القضائي العام والإداري وجعلت ذلك هدفًا استراتيجيًا يجب تحقيقه لأنه يحقق أهدافًا أخرى من أهمها العدالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذا المسار تدرج في مراحل يمكن تسميتها التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية وهو مجال أكاديمي وتاريخي مرتبط بتطور الإدارة ولعل أبرز تلك الجوانب هو ذلك الجانب الذي أخذ عنوان المحاكم المتخصصة وبلغ ذروته في اكتمال وتكامل إنشاء المحاكم التي تنظر بحكم اختصاصها القانوني في مجالات القانون الرئيسة وهي القضاء الإداري حيث المحاكم الإدارية في القضاء الإداري وأما في القضاء العام أو العادي فهناك يوجد المحاكم الجزائية والمحاكم التجارية والمحاكم العمالية ومحاكم الأحوال الشخصية وأخيرًا ما نحن بصدده في هذا المقال الذي يعد الحلقة الثانية في إلقاء الضوء على القانون المدني السعودي وهي المحاكم العامة التي كانت هي الأساس في بناء السلطة القضائية في المملكة والتي كانت تحمل أسم المحكمة الكبرى في مقابل المحكمة المستعجلة.
وبالفعل فإن بقاء اسمها تحت عنوان المحكمة العامة لم يعد ملائمًا بعد أن أكتمل بناء التشريع القانوني في المملكة بإصدار نظام المعاملات المدنية فهذا النظام الذي يقابله في الفقه فرع فقه المعاملات الإسلامي في المذاهب الفقهية أصبح اليوم قانونًا مدنيًا متكاملًا يسير وفق أحدث أساليب الصياغة القانونية ويجمع شتات النصوص والمبادئ والأحكام ويختار الراجح منها ويرشد القاضي والخصوم إلى الأفكار العامة التي من المناسب تسميتها القواعد القانونية لأن المادة القانونية الواحدة تشمل قاعدة قانونية واحدة أو أكثر بل إن هناك تركيزًا شديدًا في التوظيف السليم والمنطقي لاستخدام المصطلحات القانونية في تسلسل منهجي يصوب المسارات ويرشد الجميع الى النهج الأمثل للكتابة القانونية في الترافع والفصل بين المتخاصمين وتدوين الحيثيات وهو في الواقع صياغة قانونية تعبر عن وعي الجميع وأهل الاختصاص بالذات في التعبير عن دعاواهم وادعاءاتهم وإثبات ونفي ما يتبادلونه من مذكرات واستدلالات.
ولذا فإن القانون المدني السعودي أو نظام المعاملات المدنية هو في الواقع بوصلة دقيقة ومرجع ومدونة تشريعية في جانب المعاملات ومع ذلك فإن الأفكار العامة في نظام المعاملات المدنية تخدم بالضرورة كل فروع القانون فهي ليست منعزلة في المدني فقط بل تخدم فروع القانون الأخرى لأن القانون المدني هو في الواقع الأب والأساس الذي نبعت منه فروع القانون الأخرى ولو أخذنا على سبيل المثال القانون الدولي العام وهو قد يبدو بعيدًا جدًا عن القانون المدني إلا أن القانون المدني يخدم فكرة العقد بين الدول والمنظمات الدولية فالعقود حتى وإن كانت دولية تستند في الأصل إلى ما ورد في القانون المدني.
من هنا نجد في معظم دول العالم المحاكم المدنية التي تختص بالقضايا أو الدعاوى المدنية فقط وتحمل هذا الاسم لأنها بالفعل محاكم متخصصة في الجانب المدني فقط ولذا تسمى المحكمة المدنية لإرشاد المجتمع بأن القانون المدني هو من اختصاص هذه المحكمة وعلى هذا الأساس فإنني أقترح أن يتم تغيير مسمى المحكمة العامة إلى المحكمة المدنية وأن يتم البدء في ذلك مع بدء سريان تطبيق نظام المعاملات المدنية وهي فكرة لا يمكن أن تغيب عن أذهان ومداولات الجهات المختصة ومنها اصحاب الفضيلة والسعادة في وزارة العدل وفقهم الله وسدد خطاهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
** **
– المحامي د. أحمد العمري