د.عبدالعزيز الجار الله
يعتبر المكان المحور الأساس في تشكيل المبدع، ورحيل الفنان عبدالكريم عبدالقادر رحمه الله رحمة واسعة الذي توفي يوم الجمعة الماضية مايو 2023 أنموذجاً للرابط غير الملموس بين المبدع والأرض، أو مايسمى بثقافة المكان.
هذا الرحيل يفتح نافذة على تحولات عاشها الخليج العربي كان فيه صوت عبدالكريم ذاكرة مستدامة ومتجددة ربطت ناس الخليج بشط العرب وصحراء السعودية وفضاء جزيرة العرب الواسع بكل ناحية وقضاء، رحيله يفتح نافذة بحرية مشبعة بالرمل وزبد البحر، وأيضاً بتراب (بر) الخليج الذي يحمل الصبا والخزامى، لتتجمع الصور:
– يعيد زمن أوائل الأربعينيات الميلادية هي ولادة عبدالكريم.
– والزبير المدينة النجدية العراقية التي شهدت مسقط رأس وطفولة عبدالكريم.
– والكويت بلده وموطنه وإبداعاته.
– والسعودية الجمهور الذي تذوق فنه وأغنياته.
إذن عبدالكريم عبدالقادر التقاء عذب لدول وثقافات وشعوب ثلاث دول : الكويت والسعودية والعراق. مهما باعدت بيننا المسافات، فقد كان رابطاً فنياً وثقافياً في ذلك المثلث الحضاري العتيق : بصرة العراق، وزبير السعودية وجمهور المملكة، وكويت الوطن والحنين والأهل. مزجت مع ثلاثي آخر : بدر بورسلي وعبداللطيف البناي كشعر، ولحن عبدالرب إدريس، وصوت عبدالكريم، مزج دانات الخليج العربي وأصوات مراكب بحر العرب وخليج عدن، وصوت عابر شجي من كويت جزر أوه يامال، وصحراء السعودية التي على أطرافها مدن الشاطئ الغربي للخليج.
صوت يأتي مثل أهازيج القوافل و(سهارى سهارى والليالي طوال) عبر رمال الدهناء الفاصلة بين الهضاب والمدن، وكأن صوت عبدالكريم يتسلل برشاقة من التقاء النهرين دجلة والفرات في رحلة شط العرب إلى رأس الخليج.
أغصان متجذرة من الأغنيات الرطبة والعذبة : أعترف لك، وأنا رديت، والله ياني ولهان، وتكون ظالم، وغريب. تعيد هذه الأغنيات الرقراقه زمن حب الناس والراحلين وحزن عاقد الحاجبين حين كانت الحروب تدور في جوار الكويت وعلى أطراف شطآن وخلجان حوض شط العرب حرب : الخليج الأولى عام 1980، والثانية غزو وتحرير الكويت 90 / 1991، والثالثة غزو أمريكا للعراق 2003م. والكويت تعيش مرارة الجوار وعذابات الحروب، وعبدالكريم عبدالقادر ممن جر الصوت وذكر (الناس) بأوطانها.
كانت أغنية (أعترف لك ) عاطفية اجتماعية كتبها بدر بورسلي بزوجته لإخلاصها وحبها له، وسمعتها مع جيلي وكأنها من أغنيات الوطن، وآخرون كانوا يشاهدون بها وجوه من أحبوا، مشاعر مختلطة ترمم مابداخلك، وربما تفتح في الداخل مغارة و فجوة لايمكن ردمها، هكذا عبدالكريم الذي في حالات نادرة يخرج على جمهوره عبر المسرح ويفضل أن يبقى خلف غرف الصوت يغني بمشاعر الآخرين.
عبدالكريم ليس له محددات، كويتي أحب وطنه له امتدادت عاطفية تجمعه بناس لم يشاهدوه، يحتفظون له بصورة الفنان الذي احترم مايقدمه باعتبارها هدية شخصية لكل مستمع. الدعاء بأن يغفر الله له ويرحمه ويسكنه جنات النعيم.