الدكتورة هند بنت تركي السديري في ذكرياتها مع والدها الراحل تركي السديري
«الجزيرة» – المحليات:
نظم كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية في جامعة اليمامة يوم الثلاثاء 2 مايو 2023 محاضرة لسعادة الدكتورة هند بنت تركي السديري، تناولت فيها الحديث عن كتابها الجديد بعنوان «لماذا كتاب كان هنا». أدارت اللقاء سعادة الدكتورة وضحاء آل زعير عن طريق «الزوم» وهي في كندا كونها مختصة بشؤون المرأة من خلال أطروحتها للدكتوراه التي تدور حول دراسة الصعوبات في حياة المرأة السعودية.
وقد ابتدأت سعادة المحاضرة الحديث بالتعريف بالكتاب وتحديد جنسه الأدبي ومدى ابتعاده عن السيرة الشخصية التي يخلط الكثيرون بينها وبين الذكريات حين قراءتهم للكتاب. فالكتاب هو ذكريات محددة لشخصية واحدة هي المؤلفة التي تروي ذكرياتها مع والدها الراحل تركي عبدالله السديري رحمه الله.
وأوضحت المحاضرة أن الذكريات لها ملامح تميزها عن بقية الفروع الأدبية فهي محطات حقيقية في حياة المؤلف تمتلئ بالشجن والمشاعر ويصعب فصلها عن شخصية المؤلف. على أن وجهات النظر والتجارب المطروحة تنطلق من منظور شخصي إلى حد كبير، وهي غير رسمية وأيضاً محددة بفترات محددة. وشرحت المحاضرة أن كتاب «كان هنا» يبدأ مع والدها المرحوم تركي السديري ومولده وينتهي بلحظة رحيله. وصرحت بالقول: إن لحظة الرحيل هي النهاية الأبدية لاستمرار بناء الذكريات، لذا يتوقف السرد في حضرة الموت والرحيل الأبدي.
ثم ذكرت المحاضرة أن الكتاب -كذلك- يأخذ بعضاً من كتابة السيرة الشخصية، وهو أمر لا بد منه ليعرف القارئ من هو هذا الشخص الذي أحدث زلزالا داخل كيان ابنته برحيله وكيف عاش ونشأ وتعلم وما جوهر العلاقة مع هذه الابنة. واستطردت بالقول: إن حياة تركي السديري الصرح والمعلم الإعلامي الأول لا يمكن أن ألمّ بكل جوانبها وان كنت ابنته، فالكتابة عن هذا العظيم تحتاج إلى إلمام واسع بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية و السياسية وغيرها من محطات مرت بها بلادنا المملكة على مدى أربعين عاماً، وهذا أمر اعترف بأني لا أستطيع أن أعمله وحدي.
وقالت المحاضرة مستطردة في حديثها المتسلسل عن ذكرياتها مع والدها: ماذا يمكن أن أكتب عن تركي السديري؟ هذا الرجل الذي احتل مساحة كبيرة في الحياة الثقافية والإعلامية وليس له منافس يشبهه في غيابه. إنه اسم ارتبط بالصحافة السعودية والخليجية واحتل عدة مواقع وحورب بأسماء صريحة ومستعارة لكنه ظل صلباً وطنياً مؤمناً بمبادئه ووفياً لمهنته وزملاء المهنة، وكان سفيراً للإعلاميين لدى المسؤولين الذين كان مقدراً منهم جميعاً ومن أعلى هرم في السلطة أيضاً، فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله كان قريباً منه ودائم السؤال عنه في مرضه.
وأضافت المحاضرة عن والدها: لقد رثاه الكثيرون بعد وفاته حتى من عاداه في وقت ما لم يستطع أن يخفي حزنه على رحيل الفارس. عمل في مجالين كلاهما لم يكن مرضياً عنهما من أسرته وهما الرياضة والصحافة وترك عمله الحكومي مضمون الدخل في البلديات ليتفرغ لمعشوقته الصحافة. كانت الصحافة مجالاً خصباً له للارتقاء بها وتجاوز التقليد. ومن إنجازاته المشهود بها سعودة محرري جريدة الرياض 100% وكان سباقاً في ذلك، وجعلها الجريدة التي يحلم الكثيرون والكثيرات للانضمام إليها. لقد أخذ بكل جديد ومفيد للإعلام فاحتلّ موقع جريدة الرياض الإلكتروني المركز الأول وفاز بجائزة بفضل دعمه.
وأكدت المحاضرة القول بأن من جهود والدها أنه ساعد المرأة أن تتولى منصب مديرة تحرير في جريدة الرياض لأول مرة بالمملكة وأيضاً سبقت بعض دول الجوار. وشرحت بشكل مفصل أن للمرأة في حياة تركي السديري قصة طويلة متجذرة تنبع من علاقته بوالدته التي كان يفتقدها طوال حياته بل وحتى في لحظات وفاته، وكان دائم التحدث عنها فقد كانت بالنسبة له الوالد والوالدة والأسرة بأكملها فقد رثاها بست مقالات، فهي تمثل له رابط الأمومة المعطاءة والممتدة عبر الزمن. وتوقفت المحاضرة عند موقف لها حين قدمت ورقة عن مقالاته في إحدى الدول الأجنبية، فكانت القاعة تستمع بصمت وإجلال وهي تلقي الاستعارات البديعة والصيغ الأدبية الجميلة التي تقدّم الأم بصورة مثالية. وبما أن الورقة كانت في اللغة الانجليزية فقد طالب الحضور بمزيد من المعلومات عن الكاتب كونهم لا يعرفون العربية.
ثم أضافت المحاضرة بأن هناك دراسات وبحوثاً ألفت عن زاويته اليومية «لقاء» في رسائل علمية للماجستير والدكتوراه، وقالت: لا أستطيع أن ألم بإضافاته الصحفية ولا إنجازاته على المستوى العملي أو الإنساني. وهناك كثيرون كتبوا عنه وعن أعماله ومنجزاته، وستظل كتابتي قاصرة عن الإلمام بكل جوانب عمله.
وبيّنت المحاضرة أن والدها كان له تذوق شعري سواء في المفردة أو اللوحة أو المنظر، وهذا ما جعله مهتماً بالشعر الشعبي حيث فسح له صفحة في جريدة الرياض، فقد كان هذا النوع من الشعر مهملاً قبل ذلك. هذه الذائقة الشعرية هي ما دعته الى أن ينسّق عدة كتب اختار عناوينها ومواضيعها من مقالاته؛ وهو ما أعمل عليه الآن محاولة المحافظة قدر الإمكان على تنسيقه الشخصي مع الدكتور أمين سيدو.
إن عنوان الكتاب هو «لماذا كتاب كان هنا؟»، كتبته ليبقى حبلاً وشرياناً يمدّني بالقوة حتى ألتقي به في عالم أفضل. أقتات على ذكرياتنا سواء كانت ابتسامة أو حزنا أو غضبا وأسترجعها بكل مشاعرها وبندم كبير حين أتذكر أني ربما أغضبته. وختمت محاضرتها بقولها إن هذا الكتاب أيضاً تعبير عن ألمي وحزني أبث فيه فقدي وفراغ روحي من بعده. والذكريات بالطبع جزء من مكون الإنسان السوي. خوفي على ضياع ما تبقى منه وأنا الإنسانة الضعيفة المعرضة للمرض الذي قد يفقدني يوماً ذاكرتي مثل الخرف أو الزهايمر، وهذا ما يجعلني حريصة على أن أحفظها في كتاب يبقى لي في ساعات ضياعي ويبقى كذلك لغيري.
وحظيت المحاضرة بالمناقشة والتعقيب من الحضور الذي تذكر فقيد الصحافة السعودية الراحل تركي السديري رحمه الله، وعددوا مناقبه ومواقفه ومنجزاته في الإعلام السعودي عامة وفي الصحافة بشكل خاص، وطالبوا بأن يكون هناك عمل يحمل اسمه ليستفيد الإعلاميون وطلاب الإعلام والباحثون من جهوده ومنهجه الإعلامي.