م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 – أقرأ كثيراً أقوالاً وشهادات لأشخاص تقدموا في السن يُبْدون فيها أسفهم وندمهم على أنهم لم يقضوا وقتاً أطول مع أحبابهم، أو لم يخاطروا في أعمالهم بما فيه الكفاية والتزموا جانب الحذر، أو على عدم الاهتمام بصحتهم، أو عدم إصرارهم على مطاردة شغفهم، أو قضائهم وقتاً طويلاً يهتمون بأمور ليست ذات أهمية، أو أنهم اتخذوا مواقف شخصية بعضها عدائي لأشخاص أو أحداث أو أفكار ليس عن فهم، بل سيراً مع القطيع، أو عدم السفر واختبار العالم والحياة حينما كانوا شباباً، أو تأجيل كثير من الأشياء التي أحبوها وأرادوها إما اقتصاداً للنفقات أو انتظاراً لوقت أكثر ملاءمة، أو لم يكونوا صادقين مع أنفسهم، فهم يبررون ويسوفون ويوجدون الأعذار لكسلهم رغم أهمية الأمر.. كل تلك الحالات لا شك تدعو للأسف خصوصاً أنه شعور يأتي بعد فوات أوان الأسف ولم يبق سوى الندم.. لكن هل هناك ما هو أكثر إيلاماً من ذلك؟
2 – في رأيي أن الأكثر إيلاماً من ذلك هو احتفاظنا بعلاقات مسمومة.. فهناك زملاء ما كان يجب أن نستمر في مزاملتهم.. وهناك أصدقاء هم بأرواحهم وشخصياتهم وسلبيتهم أعداء في حقيقة أمرهم.. أما العلاقة الأكثر سُمِّية فهي حتماً التي سوف تقضي على الشخص ومستقبل أُسرته وهي عاطفتنا الأُسرية التي تجعلنا خوفاً على كيان الأُسرة من التفكك نحتفظ بعلاقتنا المسمومة مع الزوجة أو الزوج الذي لا يُطاق لأخلاقه أو انحرافه أو عجزة، فالمسألة تتحول إلى حالة انتحار في سبيل الاحتفاظ بوحدة الأُسرة على أساس أن الطلاق سوف يفكك ويشتت الأُسرة، بينما الواقع القائم والذي تؤكده الدراسات أن فقد الأم أو الأب نتيجة الطلاق أو الوفاة ينتج أبناء ذوي مقاومة دفاعية عالية، فتنصب دفاعيتهم تجاه الاهتمام بأنفسهم وإخوتهم، أما الأُسرة التي تعاني من العنف أو التفكك أو الإهمال أو انحراف أحد الوالدين فهذه حتماً سوف تنتج أبناء غالباً ينفرون من بعض، وقد يصبح الانحراف عندهم وسيلة للانتقام من الأُسرة كلها.
3 – الموجع في كل ذلك هو حينما ندرك متأخرين خطأنا وكيف أن تضحيتنا كانت نقمة على أنفسنا وعلى أبنائنا، حينما ندرك وقد بلغنا أرذل العمر، حيث لا فائدة من الندم ولا عض الأصابع، أننا لم نجن من تضحيتنا سوى الخسارة الفادحة التي أضاعت العمر ولم يبق لنا سوى انتظار الموت لعله يطفئ الوجع الملتهب في قلوبنا.