غلاف غزة.. أكبر دمار اقتصادي في تاريخ إسرائيل
“الخسارة الاقتصادية الأكبر في تاريخ إسرائيل”، هكذا وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الآثار الاقتصادية التي تسببت بها الضربة المفاجئة التي تلقتها إسرائيل من حركة حماس في 7 أكتوبر الجاري، والحرب الجارية التي اندلعت على أثرها.
قالت سلطات الضرائب الإسرائيلية التي دخلت إلى مستوطنات “غلاف غزة” في اليوم الأول للمواجهة إن الخسائر المادية المباشرة في اليوم الأول فقط تقدّر بحوالي 3 مليارات شيكل على الأقل. إذ تضررت 20 مستوطنة بشكل كبير وبعضها حُرق بالكامل، ودُمرت المنازل والبنية التحتية والطرق والمزارع. هذا الدمار يعد غير مسبوق في تاريخ حروب إسرائيل.
يضاف إلى ذلك تكلفة الرد العسكري الإسرائيلي في اليوم الأول فقط، التي فاقت الـ 40 مليون دولار وفق المحلل الاقتصادي “آفي بار-إيلي” في صحيفة “ذا ماركر”. هذه الفاتورة ستزداد كلما طال أمد الحرب، وستثقل كاهل الخزينة الإسرائيلية حتى وإن أخذنا بعين الاعتبار الدعم الأميركي.
أضرار غير مباشرة
بالإضافة إلى الأضرار المباشرة للممتلكات والتكلفة العسكرية، يُتوقع أن يكون هناك تأثير اقتصادي كبير بسبب فقدان الإيرادات من الزراعة والسياحة على المدى الطويل، خاصة وأن منطقة الجنوب تعد رافدا أساسيا لعائدات الزراعة والسياحة الريفية وغيرها، كما سيبقى هناك شكوك حول قبول السكان العودة للسكن في بيوتهم والاستمرار في إدارة أعمالهم التي دُمّرت رغم الإغراءات التي ستحرص الحكومة على تقديمها لهم كما تفعل دائما.
يخشى المزارعون الإسرائيليون وأصحاب مصالح تربية الحيوانات حدوث انهيار اقتصادي غير مسبوق، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الزراعية والحظائر وأقفاص الدجاج، خاصة وأن السلطة العسكرية تمنعهم من العودة للمزارع خوفا من وجود مسلحين فلسطينيين.
عامل آخر يثقل الفاتورة هو التعويضات التي ستقدمها الحكومة للمتضررين جسديا وماديا ونفسيا ولعائلات القتلى والمتضررين بشكل غير مباشر كذلك.
حتى الآن لا يُسمح لممثلي صناديق التعويضات الدخول للأماكن المدمرة لإجراء التقييم الدقيق، لكن قنوات الاتصال مع المتضررين فُتحت ويتوقع أن يبدأ تحويل المساعدات المالية لهم قبل حتى أن تنتهي الحرب.
التقديرات المذكورة هي تقديرات مبدئية فقط بسبب حالة عدم اليقين التي تهيمن على المشهد في إسرائيل واستمرار عمليات إحصاء وتقييم الخسائر المتزايدة كل يوم، وعدم اتضاح ما إذا كانت إسرائيل فعلا ستنفذ توغلاً برياً أم لا.
“غلاف غزة”.. ما هو وما أهميته أصلا؟
“غلاف غزة”، مصطلح يبرز ويتردد كثيرا مع كل مواجهة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، لأهميته الاستراتيجية والأمنية من جهة، وكونه من أكثر المناطق “هشاشة” وعُرضة للهجمات في إسرائيل من جهة أخرى.
هو المنطقة الجغرافية الممتدة على طول الحدود البرية بين إسرائيل وقطاع غزة، يتكون من منطقة عازلة تضم حواجز برية وقواعد ونقاط عسكرية وأراضٍ زراعية شاسعة.
تضم المنطقة كذلك 3 مجالس إقليمية فيها 57 مستوطنة يعيش فيها أكثر من 70 ألف إسرائيلي، وفق آخر تحديث إحصائي نشرته دائرة الضرائب الإسرائيلية عام 2019، كما تضم المنطقة أكثر من 27 ألف عامل أجنبي يعملون في الزراعة.
المجالس الإقليمية التي يضمها “غلاف غزة” هي “المجلس الإقليمي أشكلون” و”المجلس الإقليمي أشكول” و “المجلس الإقليمي شاعار هانيغف” (أي بوابة النقب).
ومن أبرز المستوطنات والنقاط العسكرية التي جرى ذكرها مؤخرا بسبب استهدافها خلال هجوم حركة حماس، هي:
- سديروت: أكبر وأقرب مستوطنة إلى قطاع غزة من الشمال الشرقي، يعيش فيها حوالي 35 ألف نسمة، وفق آخر إحصاء عام 2023، وهي من بين الأكثر تعرضا للضربات الصاروخية من الفصائل الفلسطينية.
- زيكيم: مستوطنة تقع شمال شرق قطاع غزة وتطل على البحر الأبيض المتوسط، تضم قاعدة عسكرية تعرضت لنيران وصواريخ الفصائل الفلسطينية في الحرب الجارية وفي حروب سابقة.
- بئيري: يقطنه أكثر من 1000 نسمة، في حرب 2014 نصبت فيها فصائل فلسطينية كميناً عقب اقتحامها عبر نفق هجومي قريب من المستوطنة. وفي الحرب الجارية حاليا قتل في المستوطنة حوالي 100 مستوطن وخُطف العديد منهم إلى قطاع غزة.
- ناحال عوز: يعيش في المستوطنة حوالي 470 إسرائيلي، وتشتهر بوجود قاعدة عسكرية تعرضت لعمليات تسلل من قبل فصائل فلسطينية قبل وخلال هذه الحرب.
- رِعيم: منطقة شاسعة مفتوحة تضم “كيبوتس” يعيش فيه حوالي 430 مستوطن إسرائيلي ويشتهر بوجود قاعدة عسكرية رئيسية تعد مقراً لـ “فرقة غزة” التابعة للواء الجنوبي مواجهة التهديدات الأمنية المتعلقة بغزة مثل الأنفاق والتسلل إضافة لتنفيذ عمليات اغتيال. تعرضت هذه الفرقة في الحرب الجارية إلى خسارات جسيمة في الأرواح والعتاد وخطف منها جنود لم يتضح عددهم بعد.
عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدار العقود السابقة على إحداث تغيير ديموغرافي جذري في غلاف غزة عبر تشجيع السكن فيها بإغراءات مادية كثيرة مثل التخفيضات الضريبية والوظائف الكثيرة والسكن المدعوم وتشجيع الاستثمار في السياحة الريفية ومزارع الدواجن والحقول. لكن أهداف حكومة نتنياهو حول مضاعفة عدد سكان هذه المستوطنات تصبح بعيدة من أن تتحقق مع كل جولة عسكرية.