سياسة

عبد الحفيظ القادري… القيادي الاستقلالي الذي أدى ثمن دفاعه عن عبد الرحيم بوعبيد (بروفايل)

داخل الأوساط العريقة لحزب الاستقلال ينادونه “سيدي حفيظ”، ومنهم من يناديه “مولاي حفيظ”… إنه عبد الحفيظ القادري القيادي الاستقلالي البارز الذي توفي مؤخرا… درس مع مولاي الحسن في المدرسة المولوية، وتولى عدة مناصب حكومية، قبل أن يبتعد عن الأضواء في ظروف خاصة مباشرة بعد تحفظه على اعتقال عبد الرحيم بوعبيد القيادي الاتحادي، بسبب موقفه الرافض لإجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية.

في 11 دجنبر الجاري، توفي القادري في بيته في الرباط عن عمر يناهز 96 عاما، ودفن جثمانه في مقر الزاوية القادرية بالمدينة القديمة بالرباط قبالة الوداية. فمن هو عبد الحفيظ القادري؟ وما قصته؟

والده كان من أشراف الزاوية القادرية بالرباط، عرف منذ نعومة أظافره بنبوغه، ولهذا اختاره السلطان محمد الخامس ليدرس مع ابنه مولاي الحسن في المدرسة المولوية، إلى جانب شخصيات أخرى.

عاش فترة نضالات الحركة الوطنية، ضد الاستعمار، وهو يدرس داخل القصر. في هذه الفترة كانت المظاهرات التي يقودها الوطنيون ضد الاستعمار، يصل صداها  إلى أسوار تواركة حيث المدرسة المولوية، فكان عبد الحفيظ القادري يخرج لمتابعة هذه المظاهرات رفقة الأمير مولاي الحسن.

ويروى أن  السلطات الاستعمارية اتهمته بالتأثير على مولاي الحسن والسعي لتقريبه من الحركة الوطنية، فتقرر طرده من المدرسة المولوية، وبقي فترة خارج أسوار تواركة، إلى أن علم السلطان محمد الخامس بالأمر بعدما أخبره بذلك عمر الفاسي، الذي كان أستاذا في المدرسة، فتدخل السلطان، لإعادته للدراسة إلى جانب ولي العهد.

حين حصل القادري على الباكلوريا، اختار التوجه إلى فرنسا لدراسة الهندسة الفلاحية.

يروي أحد من عايشوه، أن الحسن الثاني طلب من مجموعة من زملائه أن يتابعوا معه دراسة القانون في الجامعة ولكن القادري، رد بأنه جيد في الرياضيات، ويريد أن يتابع دراسته في مجال الهندسة.

لهذا توجه إلى فرنسا واختار الهندسة الفلاحية. بعد عودته وفي جيبه دبلوم مهندس فلاحي، أصبح من أوائل الأطر المغاربة بعد الاستقلال، فتم تعيينه كاتب دولة في الفلاحة في حكومة أحمد بلافريج سنة 1958، وبعد ذلك عينه محمد الخامس مديرا لمكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية.

وخلال الفترة التي تلت 1959، وانشقاق التيار اليساري عن حزب الاستقلال ممثلا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حليف نقابة الاتحاد المغربي للشغل، برزت مشكلة في الرباط، جعلت اسم القادري يحظى بشعبية داخل حزب الاستقلال. فقد رفض عدد من العمال في نقابة الوكالة الحضرية للنقل بالرباط تأييد انشقاق الاتحاد المغربي للشغل، عن حزب الاستقلال فتم الانتقام منهم وطردهم من الوكالة، ما خلق مشكلة اجتماعية فتعاطف معهم عبد الحفيظ القادري واتخذ قرار توظيفهم جميعا في مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية الذي كان مديرا له، حسب مصدر استقلالي.

من هنا كان القادري من الشخصيات الاستقلالية الأولى التي أسست نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وعدد من فروعها في عدة قطاعات منها الفلاحة.

تولى القادري أيضا إدارة صحيفة “لوبينيون” بالفرنسية الناطقة باسم حزب الاستقلال، ما بين 1974، و1977، وعرف بمقالاته الصحافية خاصة الافتتاحية.

ويذكر أنه كان حاضرا مع الزعيم علال الفاسي بالعاصمة الرومانية بوخاريست حين وفاة الزعيم علال الفاسي هناك سنة 1974.

وفي 1977، فاز القادري بمقعد برلماني باسم حزب الاستقلال في الانتخابات التي جرت في تلك السنة، وتم تعيينه وزيرا مكلفا بالشبيبة والرياضة في الحكومة التي ترأسها أحمد عصمان، وأعيد تعيينه في هذا المنصب في الحكومة الموالية التي شكلها المعطي بوعبيد.

إبعاده من الحكومة

ولكن في 1981، سيحدث تحول في حياة الرجل. فحين أعلن الملك الراحل الحسن الثاني قبوله الاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء، أثار هذا الموقف جدلا سياسيا، حيث تحفظ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وزعيمه عبد الرحيم بوعبيد، وصدر بيان رسمي للحزب، ما أدى إلى اعتقال قيادة الحزب وعلى رأسهم بوعبيد والحكم عليهم بسنة حبسا وإيداعهم سجنا في ميسور.

خلال تلك الفترة اشتد الضغط السياسي على المغرب بخصوص ملف الصحراء، مع تصعيد الحرب بدعم جزائري ليبي، فقرر الحسن الثاني تخفيف الضغط الدولي، بقبول تكتيكي، لإجراء استفتاء في الصحراء، وكان ذلك تحولا في موقفه.

استدعى الملك الراحل الحسن الثاني زعماء الأحزاب السياسية إلى قصره في الصخيرات لدراسة موضوع الموافقة على الاستفتاء، وقرر حزب الاستقلال أن يحضر عبد الحفيظ القادري ممثلا للحزب لأن كلا من بوستة الأمين العام، ومحمد الدويري كانا مسافرين خارج البلاد.

كانت  اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال بقيادة امحمد بوستة أيضا تحفظت على  قبول إجراء الاستفتاء لكنها لم تعلنه، حسب مصدر استقلالي، فقد كان حينها امحمد بوستة الأمين العام للحزب وزيرا للخارجية، ولم يكن ممكنا له أن يعبر عن موقف معارض للملك، ولكن اللجنة التنفيذية للحزب اجتمعت وقررت أنه لا يمكن إجراء استفتاء تقرير المصير على أرض مغربية.

حسب مصادر فإن قادة الأحزاب الذين حضروا مع الحسن الثاني في القصر وافقوا على إجراء الاستفتاء  باستثناء عبد الحفيظ القادري، الذي أبلغ  الحسن الثاني موقف الحزب المتحفظ، بل إنه أضاف بأنه “لا يمكن اعتقال عبد الرحيم بوعبيد فقط لأنه عبر عن رأيه”. قال ذلك أمام الجميع بحضور مستشاري الملك، ما أغضب الحسن الثاني.

كانت تلك هي  بداية القطيعة بين زميلي الدراسة في المدرسة المولوية، حينها  تقرر إعفاء عبد الحفيظ القادري من الحكومة.

غبن الحزب

ويروى أن القادري كان يتوقع أن يصدر رد فعل من الحزب مساند له، يمكن أن يصل حد مغادرة الحكومة، تضامنا معه، لكن ذلك لم يحصل، فقرر أن يلزم بيته، ويبتعد  دون أن يدلي بأي موقف. ويروي بعض مقربيه أن بيته تحول حينها إلى مزار لعدد من أعضاء الحزب وقياداته يلتمسون منه العودة للعمل داخل الحزب، لكنه كان يرفض.

واستمر هذا الوضع إلى سنة 1985، حين عينه الحسن الثاني سفيرا في مدريد، حيث قضى هناك  فترة ليست طويلة، قبل أن يعود من جديد إلى المغرب، حيث توارى عن الأنظار. ومنذ ذلك الحين كان يجري انتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية دون أن يحضر المؤتمرات المتعاقبة، ولكن ذلك كان شكليا لأنه اختار الابتعاد.

وقد لخصت البرقية الملكية التي توصلت بها عائلة الفقيد مناقب الرجل، وجاء فيها أنه كان يتحلى بحميد الخصال، وبالغيرة الوطنية الصادقة المشهود له بها، “جسدها، رحمه الله، طيلة مساره النضالي والسياسي والفكري، في حرصه الشديد على الدفاع عن ثوابت الأمة ومقدساتها، وتعلقه المتين بأهداب العرش العلوي المجيد، كما جسدها في مختلف المسؤوليات والمهام السامية التي تقلدها، بكل نزاهة وشجاعة واقتدار، سواء على المستوى الحكومي أو الدبلوماسي أو الصحفي”… رحمة الله عليه..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى