تعلمنا من الانتماء لهذا الوطن العظيم متانة اللُّحمة بين أبنائه في نسيجٍ واحد من الولاء والوفاء، يغطي رقعة الوطن الرحيب؛ لذا آلمتنا فاجعة فقد أحدِ أبناء الوطن المخلصين؛ من بناة اقتصاده والمساهمين في نهضته وباذلي المعروف لأبنائه؛ وهو الفقيد الراحل الشيخ عبداللطيف الجبر الذي أعلن خبر وفاته معالي وزير التجارة دكتور ماجد القصبي في تغريدة على منصة إكس قائلاً: رحم الله رجل الأعمال الأستاذ عبداللطيف بن حمد الجبر، الذي كرّس حياته لخدمة وطنه ومجتمعه، وكانت له إسهامات بارزة في القطاع التجاري والمصرفي؛ والعمل الخيري والإنساني.
وفي الحديث النبوي الصحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا حَسَدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسَلَّطَه على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، ورجل آتاه الله حِكْمَة، فهو يقضي بها ويُعَلِّمَها»، وبحسن ظننا في الله -عز وجل-، نحسب أن فقيدنا -رحمه الله- نال الخصلتين، حيثُ يعد الراحل عبداللطيف الجبر، أحد رجال الأعمال البارزين في المنطقة الشرقية والمملكة العربية السعودية، حيث اشتهر برجاحة عقله وقراراته الصائبة وحكمته في التجارة والاقتصاد والإدارة الفعالة، وليس أدل على حكمته من قيامه بإدارة البنك العربي لمدة 31 عاماً قضاها في مواقع إدارية مختلفة، استطاع من موقعه كرجل أعمال ناجح وشخصية اقتصادية ووطنية بارزة، أن يصل بالبنك الذي أسّس عام 1980، بستة فروع فقط، وبرأس مال لا يتجاوز 150مليون ريال، إلى 425 فرعاً ومركزاً، وليتضاعف رأس المال مئة مرة.
فضلاً عن عضويته لمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية، ست دورات (21 سنة)، وعضويته لمجلس الشورى في دورته الأولى، وتمثيله للمملكة في العديد من الوفود والمؤتمرات التجارية والاقتصادية في دول مجلس التعاون، العراق، الأردن، لبنان، الفلبين، كوريا، الباكستان، الهند، تايوان، بريطانيا، ألمانيا، سويسرا والصين، بسبب مسيرته الوطنية الطويلة الحافلة، فقد حصل الراحل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، بمرسوم ملكي من الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، وتسلم الوسام من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- عندما كان ولياً للعهد، في المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية في دورته السابعة عشرة عام 1422هـ، ضمن أفضل رجال الأعمال المتميزين.
وأما عن الشق الأول من الحديث النبوي الشريف؛ وهو المتعلق بالإنفاق السخي في سبيل الله؛ فقد قدم الراحل عبداللطيف الجبر لمجتمعه ووطنه؛ العديد من الأعمال الإنسانية والخيرية التي تمس حياة المواطن مباشرة في صورة مساعدات خيرية، وبناء منشآت صحية واجتماعية، فقد قدم برفقة أسرته الكريمة، مشروع الإسكان الخيري بالأحساء مساعدةً لذوي الحاجة من شباب الأحساء غير القادرين على بناء منازل لهم، لتوفير سكن مُؤثث للمحتاجين في الأحياء، ومجمعات تعليمية للبنين والبنات، وتم إنشاء مركز الجبر للكلى، ومركز حمد الجبر لعلاج الأورام السرطانية، ومستشفى الجبر للعيون والأنف والحنجرة، كما تكفل ببناء مقر نادي الأحساء الأدبي؛ وذلك دعماً للحركة الثقافية والأدبية بالأحساء؛ ضمن مسيرة طويلة حافلة في البر والعطاء والبذل في الخير، ستبقى خالدة بالتأكيد بالذاكرة، ومفعمة بحب الوطن وأهله، وندعو الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة.
ولأن الجبر كان من رواد العمل الاجتماعي، فقد منحته المنظمة العالمية للسلام والازدهار الدولي جائزتها لعام 2015؛ وذلك بسبب جهوده المخلصة على الصعيد الخيري الإنساني العالمي، فكان الراحل رمزًا للخير والعطاء، وهو أول سعودي ينال هذه الجائزة العالمية، وتم تسليمها له في حفل أُقيم في مقر البرلمان البريطاني عام 2015، وقد كرّم صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، «الجبر» بعد تلقيه هذه الجائزة، وأعرب سموه عن سعادته بعبداللطيف بن حمد الجبر إثر حصوله على الجائزة؛ مؤكدًا أن لهذا الرجل تاريخ مشرف وحافل بالإنجازات، وأن حصوله على الجائزة يعد مفخرة للمملكة العربية السعودية وللمنطقة الشرقية بشكل خاص.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعم المالُ الصالحُ للمرء الصالح»، ونحسبُ أن فقيدنا كان نعم العبد الصالح؛ الذي منَّ الله عليه بالمال الصالح؛ فسخره للإسهام في النهضة التنموية لوطنه؛ وفي العمل الخيري لأبناء مجتمعه، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
– أحمد بن محمد الغامدي