اكتسبت المملكة العربية السعودية أهميتها الدولية في المقام الأول لكونها قبلة العالم الإسلامي وأرض الحرمين ومهبط الرسالة. وما عزز ذلك هو الاهتمام الخاص للدولة السعودية بالحرمين الشريفين، وذلك على مدار ملوكها بداية من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود- رحمه الله-، وهذا الاهتمام الذي امتد ليشمل العناية البالغة بالحجاج والمعتمرين والزوار منذ دخولهم الحدود السعودية. وأتصور انه لا توجد دولة في العالم تدير مرفقاً يتردد عليه هذا العدد الهائل من الجمهور أو الزوار على مدار 365 يوماً في السنة و 24 ساعة يومياً، وتحت عدسات الكاميرات والتلفاز، وبهذا الشكل الاحترافي المعروف لكل مسلم شَرُفَ بالزيارة المباركة.
وفي المقام الثاني اكتسبت الدولة السعودية أهميتها وشعبيتها، لكونها مقصداً لراغبي العمل من جميع الجنسيات في العالم وكذلك جميع الأديان. حيث يوجد على أرضها مقيمون لأجل العمل عاشوا فيها عقوداً أكثر مما عاشوا في أوطانهم الأصلية التي يحملون جنسياتها. مما يعد مؤشراً مهماً بأنها البيئة والمنظومة الحكومية والمجتمعية جاذبة للعمل. أضف إلى ذلك الحراك الاجتماعي الذي يحدث للعاملين بها عندما يعودون لأوطانهم، هذا الحراك والتطور والتنمية لا يخلو منه كل شارع وكل عائلة في كثير من الدول، بل ويصبح العمل بالسعودية وجاهة اجتماعية وذكرى جميلة تدعو الكثيرين للفخر بها حتى بعد مغادرتهم بشكل نهائي.
وفي السنوات الأخيرة، يجد المتابع للشأن السعودي بشكل عام ولرؤية السعودية 2030 بشكل خاص، أن الدولة قد اتجهت للاستفادة بشكل ممنهج من المقومات السياحية والتراثية الضخمة التي لم تكن مستغلة في السنوات الماضية بالشكل الذي تستحقه. فدولة بهذا الحجم الضخم، بها تنوع هائل في المقومات الطبيعية والتراثية والثقافية تستحق أن تكون لها مكانة على خريطة السياحة العالمية. ولم يتوقف المخططون عند تطوير الأنماط السياحية التقليدية، بل تم العمل على تنويع المنتج السياحي بإضافة الأنماط السياحية المستحدثة مثل الفعاليات والمهرجانات، والمسابقات الرياضية، والأحداث الفنية، والمؤتمرات والمعارض، والتي تقوم بها هيئة الترفيه بجوار وزارة السياحة. وبذلك تم خلق روافد قوية وراسخة جنباً إلى جنب مع الأنماط السياحية التقليدية. ليس هذا فحسب، بل يتم تدريب آلاف الشباب والشابات السعوديين للعمل في هذا القطاع الواعد، والذين دخل معظمهم سوق العمل وأثبتوا كفاءتهم وجدارتهم، وكسبت الدولة الرهان عليهم.
وكمتخصص في الشأن السياحي، ومتابع للزخم التنموي السعودي بشكل عام، والزخم السياحي بشكل خاص والمنبثق عن رؤية 2030 أرى أن هذه النجاحات قامت على أربع ركائز أساسية، وهي رهان التنمية والاستثمار في أي دولة بالعالم.
الركيزة الأولى: وهي الأمن والأمان، والأمن هو العمود الفقري للاستثمار، وهو أغلى سلعة على مستوى العالم. وهناك ثلاث سمات أساسية يتسم بهما الأمن السعودي وهي الحزم وحسن الخلق، والاحترافية العالية.
الركيزة الثانية: المجتمع والمواطن السعودي والبيئة الحاضنة للعمل وللاستثمار، والعادات والتقاليد العربية الأصيلة. هذا المجتمع السعودي الإيجابي الذي معروف عنه بحبه لبلده وثقته في قيادته، ثقة الابن في والده. ويظهر ذلك في حسن معاملة السائحين وانعدام أي سلوكيات سلبية تجاه الزوار والسائحين. بل لا يجد السائح من المجتمع السعودي إلا الكرم والفزعة وحب الضيف.
الركيزة الثالثة: رقمنة أو أتمتة كافة خدمات الدولة بالكامل، من خلال منظومة ناجحة من تقنية المعلومات جعلت إتمام كافة المعاملات الحكومية والبنكية من خلال الانترنت سواء كان المستفيد مواطناً أم مقيماً أم زائراً أم مستثمراً. وقد كنت شاهداً أثناء قيام أحد الزملاء بالتقدم بطلب الكتروني للحصول على تمويل من البنك، وجاءته الموافقة بعد ساعتين برسالة على هاتفه المحمول، واستلم القرض في نفس اللحظة على حسابه. أكاد أجزم هذه الخدمات لا توجد فيما يسمى بدول العالم الأول.
الركيزة الرابعة: لا توجد خطوط حمراء للشكوى من سوء الخدمات المقدمة في أي قطاع، ولا توجد كذلك خطوط حمراء أو حصانة لأي مظهر من مظاهر الفساد. حيث صممت الدولة قنوات رقمية فعالة ومؤمنة لتقديم الشكاوى عليها سواء ضد سوء الخدمة في أي قطاع أو موظف أو ضد أي واقعة فساد. بل وترصد الدولة مكافآت وتشجع الجمهور (مواطنا أو مقيما أو زائرا أو مستثمرا) على التفاعل مع هذه القنوات الرسمية، وشرح الآلية والإجراءات.
كمحب لهذا البلد، أهنئ أهل السعودية ومحبي السعودية باليوم الوطني السعودي 93 وأسأل الله أن يأتي اليوم الـ 100 وتكون جميع مستهدفات الرؤية 2030 قد تحققت، وأن تحقق المملكة العربية السعودية المكانة التي تستحقها عالمياً. وهذا أمر يسعد كل مسلم وكل عربي ويدعو للفخر.
**
*د. محمد شعيب – أستاذ مشارك إدارة السياحة والضيافة