الاعتماد الأكاديمي وشهادات الوهم – م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 – من موقع رجل الأعمال قابلت عشرات الشباب حديثي التخرج من الجامعات في مجالات التسويق والإعلام والإعلان والإدارة والمحاسبة.. بعضهم تخرج من الجامعة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى على دفعته، لكن المفاجأة أن معرفته العلمية في تخصصه متدنية، ومهارته المهنية والناعمة معدومة، واطلاعه على منهجيات التفكير مفقودة.. ونجد أننا في سبيل توظيف الشاب ليكون كفاءة منتجة ننفق عليه الكثير من المال والجهد والوقت لإعادة تأهيله من خلال التدريب العملي والمحاضرات النظرية في مجال تخصصه، وفي مجال المهارات الناعمة اللازمة مثل مهارات التفكير، والتواصل، والإقناع، والتفاوض، والاجتماعات وغيرها.. والمشكلة ليست في ذلك فحسب بل في مقاومته للتدريب، فهو يريد بيئة عمل تنفيذية ميكانيكية الأداء دون فهم المنهجيات العلمية والمهارات التنفيذية.. ناهيك عن مشكلة الانضباط والالتزام التي هي من أشق الأمور على الشاب في مطلع حياته المهنية، حيث يرى أن مرحلة التأهيل نزهة وراحة ومتعة وليس التزاماً وانضباطاً ومراجعة ومتابعة.. أما دوافعه الذاتية للتعلم فهذه ليست في قاموسه فقد تعود أن يدخل القاعة ويتم تلقينه وكفى.
2 – وبقدر ما يبدو الوصف في الفقرة الأولى قاسياً حاداً بقدر ما هو صادق ودقيق في نقل الصورة.. وحسب حظ الشاب وتوفيقه في أن يبدأ في بيئة عمل متطورة تأخذ بيده فتعيد تأهيله لتحوله إلى قيمة إنتاجية منافسة.. أو أن يبدأ في بيئة عمل تقليدية روتينية يضيع وسطها فلا يدري كيف يطور نفسه، وكيف يتحول إلى كفاءة منافسة تستطيع أن تتبوأ موقعها في ميدان العمل، وتصعد سلالمه المكتظة بالمتنافسين على الوظائف والمراتب الوظيفية.. فالشاب لن يجد مكانه الذي يليق به تحت قبة الحياة المهنية إلا بكفاءة الأداء، وكفاءة الأداء لا تتحقق إلا بالمعارف والمهارات والقيم وثقافة العمل المحفزة.
3 – الشهادة التي تمنحها الجامعات لطلبتها في أي تخصص دون أن يكون لدى الطالب الكتلة المعرفية والمهارات التي تجعلنا نقول إنه متخصص في علم ما، هي «شهادة متوهمة».. فمن خلال التجربة وجدناهم لا يعرفون أساسيات العلم من جهة المعارف الرئيسية والمعارف المساندة، ومن جهة المهارات الرئيسية والمهارات الناعمة المساندة.. وهو الذي نراه اليوم في العديد من الجامعات التي يقضي الطالب أربع أو خمس سنوات على مقاعدها ويتخرج منها بلا معارف ولا مهارات.. وأستطيع أن أقول إن معظم التخصصات الجامعية اليوم تقع في فخ منح الشهادات المتوهمة.
4 – وبعيداً عن المناكفات التي تحدث بين المهنيين القائمين على ميدان العمل والأكاديميين القائمين على تأهيل القادمين لسوق العمل، حيث يعيب المهنيون ورجال الأعمال على الأكاديميين أنهم نظريون بعيدون عن ميدان التطبيق الفعلي للسوق وآلياته واحتياجاته ومهاراته.. وأن الأكاديميين ليسوا نظريين فحسب بل تقليديون ومتأخرون عن الركب، حيث لا يواكبون التطورات الحديثة المتسارعة في ميدان العمل.. بل إنهم لا يدركون متغيرات سوق العمل وصراعاته وقضاياه ومشكلاته، حيث يقرأون الكتب أو يؤلفونها عن طريق الجمع وليس الممارسة.. ويلقنون الطلاب صيغاً جامدة انتهى زمانها ولم تعد تطبق في ميدان العمل.. ولا غرابة في ذلك ففاقد الشيء لا يعطيه.. وإذا صح قول رجال الأعمال حول مخرجات الجامعات والمعاهد، والذي تثبته برامج التأهيل الهائلة التي تقدمها الدولة والقطاع الخاص لإعادة التأهيل وتدارك ما يمكن تداركه، فنحن بصدد مشكلة تحتاج إلى النظر والبحث من أعلى المستويات.. فالقضية ليست فردية بل وطنية عامة، وآثارها مدمرة على المستوى الوطني خصوصاً مع توجهات الرؤية التي أطلقت برنامج تنمية القدرات البشرية لبناء إستراتيجية وطنية طموحة لتنمية قدرات المواطن.
5 – هنا يأتي دور الاعتماد الأكاديمي في تحديد جودة البرامج التعليمية، وما إذا كان الخريج مؤهلًا أم لا من جهة جودة التعليم وجودة التدريب على أرض الواقع، حيث من الضروري أن تتماشى البرامج مع معايير السوق المهنية في كافة المجالات.. وبالتالي نتوقع من هيئة الاعتماد الأكاديمي أن تشدد على اعتماد البرامج الفاعلة والمؤثرة التي تُمَكِّن خريجي الجامعة من الدخول لسوق العمل بكل كفاءة واقتدار، ومن ثم فإن دور الاعتماد الأكاديمي هو مربط الفرس.
6 – هل يكون الحل في إنشاء هيئة مهنية علمية مستقلة، هدفها إجازة ممارسين أكفاء في كل تخصص، على غرار الهيئة السعودية للتخصصات الصحية؟