الإمارات أنموذج ملهم لمواجهة التغير المناخي – Alittihad Newspaper جريدة الاتحاد
شروق عوض (دبي)
رغم الحالة السلبية التي توقعها تقرير صادر عن الأمم المتحدة، قبيل انطلاق مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ «COP27»، من عدم وجود «طريق موثوق به» لإبقاء الارتفاع في درجات الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، تبقى هناك نقاط نور، خاصة في ما تبذله دولة الإمارات من جهود كبيرة في مكافحة تغير المناخ، والتي تعد نموذجاً ملهماً لمختلف دول العالم لحماية مستقبل البشرية من الخطر الأبرز المتمثل في التغير المناخي.
ومع آمال صناع القرار والخبراء من 197 دولة حول العالم، خلال اجتماعهم في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية الشقيقة، على منصة COP27، في الوقوف بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عند حد 1.5 درجة مئوية، تتلاقى جهود الإمارات الرائدة في هذا الصدد مع التوجهات العالمية للعمل بجدية لمواجهة أزمة المناخ التي تشكل تهديداً وجودياً، في خطوة مهمة لحماية بيئة العالم ومواجهة تحدي التغير المناخي، تضمن الالتزام بأهداف اتفاق باريس، وتحفز الحراك العالمي لرفع طموح العمل من أجل المناخ.
الحياد المناخي
تأتي مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، ضمن جهود الدولة الجادة لمواجهة التغير المناخي، كما تعكس ما تم إنجازه منذ إطلاق اتفاق باريس للمناخ 2015، ولتأسيس مسيرة عمل لعقد مقبل حتى 2030، ورفع سقف الطموح لتعزيز جهود العمل من أجل مواجهة تحدي التغير المناخي وخفض مسبباته وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته. وتمثل الرؤية الاستشرافية والحكيمة لقيادة دولة الإمارات الرشيدة، امتداداً لإرث الدولة القائم على حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وضمان استدامتهما، وتكريساً لدور الإمارات الفاعل في إيجاد حلول للتحديات العالمية، وتحفيز الحراك والعمل العالمي من أجل المناخ عبر مبادرتها، وتشجيع مزيد من الدول على رفع سقف طموحاتها بشأن العمل المناخي.
التنويع الاقتصادي
تمثل المبادرة فرصة فعّالة لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى القطاعات كافة، حيث ستساهم عبر إدماج هدف العمل المناخي في تعزيز التنويع الاقتصادي المحلي وخلق المزيد من فرص النمو المستدام والأعمال، وتعزز من قدرات وتوجهات تحول الطاقة المحلي، كما تركز المبادرة على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص، وتواكب المبادرة مبادئ الخمسين في إيجاد الاقتصاد الأفضل في العالم، وتستند إلى مسيرة الدولة في العمل المناخي والممتدة لثلاثة عقود، وتعزز دورها الريادي نحو الحياد المناخي كونها أول دولة في المنطقة تطلق مبادرة تستهدف الحياد المناخي، كما كانت الدولة الأولى في المنطقة التي تصادق على اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
وتسهم المبادرة في زيادة التنافسية الصناعية وتعزيز مكانة الإمارات مركزاً اقتصادياً عالمياً جاذباً للاستثمارات، كما تسهم أيضاً في تطوير خبرات رأس المال البشري في مجالات مستقبلية، واستقطاب الكفاءات البشرية المتميزة، كما يمثل السعي إلى الحياد المناخي أنموذجاً جديداً للنمو الاقتصادي المستدام الذي يعزز أنشطة البحث والتطوير، والابتكار، وتطبيقات التكنولوجيا النظيفة، وسيكون بمثابة محفز للاستثمار وخلق فرص العمل.
وتعزيزاً لتحقيق المبادرة، فإن الدولة بصدد إطلاق استراتيجية طويلة المدى ستكون بمثابة خريطة طريق لرفع مستهدفات خفض الانبعاثات من كافة القطاعات الاقتصادية وتعزيز قدرات التكيف التي سيشملها التقرير الثالث من مساهمات الدولة المحددة وطنياً.
مسيرة العمل المناخي
وتمتلك الإمارات مسيرة من العمل من أجل البيئة ترافقت مع تأسيسها في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى 3 عقود من العمل المناخي بدأت بتوقيعها على بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون في عام 1989. وفي مطلع التسعينيات تم الاتفاق بشكل دولي على إطلاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ لتمثل أول تحرك عالمي لمواجهة هذا التحدي المهم، وفي 1995 انضمت دولة الإمارات للاتفاقية للمشاركة في الحراك الدولي للعمل المناخي. ومع تطور النقاشات والالتزامات القانونية لحراك العمل من أجل المناخ وبعد إطلاق واعتماد بروتوكول كيوتو الملزم للدول المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات، صادقت دولة الإمارات في العام 2005 على البروتوكول كأول دولة من الدول الرئيسة عالمياً المنتجة للنفط.
اتفاق باريس
مع تحديث وتطور أهداف العمل المناخي لتركز بشكل أكبر على معالجة إشكالية ارتفاع درجة حرارة الأرض بالإضافة للحد بشكل أكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة مع إطلاق اتفاق باريس للمناخ في 2015، سارعت دولة الإمارات للانضمام للاتفاق والتوقيع على بنوده لتكون الأولى في المنطقة.
طموح الإمارات المناخي
وعملت الإمارات بموجب الرؤية الاستشرافية لقيادتها الرشيدة طيلة السنوات الماضية على رفع طموحها المناخي في تقريريها الأول والثاني للمساهمات المحددة وطنياً في العامين 2015 و2020 على الترتيب، وخلال شهر سبتمبر من العام الجاري 2022 وضمن التزامها الطوعي للعمل من أجل المناخ، فقد رفعت الإمارات سقف طموحها لمواجهة هذا التحدي في الإصدار المحدث للتقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً -بموجب اتفاق باريس للمناخ- بما يدعم أهداف مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
إصدار محدث
ويعزز الإصدار المحدث من الطموح المناخي للدولة عبر رفع مستهدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة ليصل إلى 31 في المائة بحلول 2030، مقارنة بالوضع الاعتيادي للأعمال والذي من المتوقع أن تسجل فيه الانبعاثات ما يقارب 301 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون مع احتساب معدل النمو الاقتصادي السنوي بناء على قاعدة النمو خلال السنوات الماضية، ويعادل هدف خفض الانبعاثات الجديد تجنب انبعاثات 93.2 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون.
ميثاق غلاسكو للمناخ
ويأتي الإصدار المحدث استجابة لدعوة ميثاق غلاسكو للمناخ -أحد أهم مخرجات الدورة السادسة والعشرين من مؤتمر الدول الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ «COP26»- بضرورة رفع الدول طموحها المناخي بحلول نهاية العام الجاري 2022 لتعزيز قدرات مواجهة تحديات التغير المناخي، حيث يشمل الإصدار مستهدفات خفض الانبعاثات على مستوى القطاعات الرئيسة، وتوجهات تنفيذ عمليات الخفض ومراقبتها وقياسها، وسيمثل قطاع توليد الكهرباء المسهم الأكبر في الخفض بنسبة 66.4 في المائة، يليه قطاع الصناعة بنسبة 16.6 في المائة، وقطاع النقل بنسبة 9.7 في المائة، ثم قطاع التقاط واستخدام الكربون وتخزينه بنسبة 5.3 في المائة، وقطاع الإدارة المتكاملة للنفايات بنسبة 2.1 في المائة.
إشراك الشباب والنساء
يلقي الإصدار المحدث من التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً لدولة الإمارات الضوء على أهمية مشاركة الشباب والمرأة والجهات والأفراد الأكثر تأثراً بالتغير المناخي ضمن نهج تشاركي في إعداد وتطوير السياسات والبرامج لتحقيق العيش الذكي مناخياً وذلك نحو مستقبل أكثر استدامة، كما يسجل الإصدار زيادة في مستهدف خفض الانبعاثات من 23.5 في المائة إلى 31 في المائة بحلول 2030، عبر تعزيز مشاركة مجموعة من القطاعات الرئيسة في خفض انبعاثاتها ومنها قطاع توليد الكهرباء، والصناعة، والنقل، والتقاط واستخدام الكربون وتخزينه، والإدارة المتكاملة للنفايات. وتدعم أهداف رفع الطموح في الإصدار المحدث جهود التكيف مع تداعيات التغير المناخي التي تم الإعلان عنها ومنها جهود الحفاظ على النظم البيئية الساحلية، ومشروع الكربون الأزرق عبر زراعة ملايين الأشجار، ومنها أشجار المانغروف التي من المخطط زراعة 100 مليون شتلة منها بحلول 2030.
حوارات وتعهدات وطنية
من منطلق الدعم لتحقيق أهداف الإصدار المحدث، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مبادرة الحوار الوطني حول الطموح المناخي، وهي منصة وطنية تضم سلسلة من الاجتماعات الدورية بهدف تعزيز الطموح المناخي، ودعم جهود الحد من الانبعاثات الكربونية في القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها، بما في ذلك قطاعات الصناعة، والإسمنت، والنفايات، والنقل، والطاقة.. ويهدف الحوار إلى وضع نظرة وطنية للاستدامة ودعم مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
كما أطلقت الوزارة، «تعهد الشركات المسؤولة مناخياً» لتعزيز مشاركة مؤسسات القطاع الخاص في توجهات الدولة لخفض الانبعاثات، حيث تلتزم المؤسسات الموقعة على التعهد بقياس انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن أعمالها والإبلاغ عنها بشفافية تامة، ووضع خطط عملية طموحة لتقليل بصمتها الكربونية، ومشاركة هذه الخطط مع الجهات الحكومية المختصة للمساهمة في تحقيق الهدف الوطني للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
وبصفة الإمارات الدولة المستضيفة لمؤتمر الدول الأطراف «COP28» في مدينة إكسبو دبي خلال العام المقبل، 2023، ستستمر في رفع طموحها المناخي خلال هذا العام وما بعده، عبر تسليم الإصدار المحدث، وتؤكد على تسريع وتيرة التزامها الطوعي برفع طموحها عاماً بعد الآخر، عبر الاستفادة من الحلول المبتكرة والتقنيات الحديثة المتاحة.
سياسات وتوجهات مستقبلية
المنظومة الواسعة من جهود العمل من أجل البيئة والمناخ، عززها تبني واعتماد القيادة الرشيدة لمجموعة من التوجهات والسياسات التي تخدم تحقيق الاستدامة وإيجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، ومنها تبني التحول نحو الاقتصاد الأخضر، واعتماد وإطلاق السياسة العامة للبيئة في دولة الإمارات وسياسة الإمارات للاقتصاد الدائري اللتين أعدتهما وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين من جهات ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، كما تم إعداد مشروع القانون الاتحادي للتغير المناخي، والذي سيمثل الإطار والمظلة الاتحادية المنظمة لمعايير وآليات العمل من أجل المناخ على مستوى الدولة.
قيادة العمل المناخي
على قدر ضخامة «COP27» وما تعتزم الإمارات طرحة وتحفيزه خلالها، فإنها ستمثل خطوة ضمن استراتيجية عمل متكاملة لدولة نفطية في الأساس قررت طوعياً الالتزام والمساهمة بقوة في حماية حياة البشر وضمان استمراريتها فباتت تقود المنطقة في العمل المناخي، وخير دليل على ذلك ما ستطلقه من مبادرات جديدة خلال فعاليات مؤتمر المناخ في مصر من بينها الأمن الغذائي، والزراعة، والهيدروجين الأخضر، والطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها من المبادرات التي قد تحظى بتأييد ودعم وتفاعل ليس فقط للحكومات، ولكن أيضا دوائر الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني والتي لا غنى عنها في إطار التوصل لتضافر جهود كل الأطراف حكومية وغير حكومية لمواجهة قضايا التغير المناخي.
انتصار الإنسانية
كل الآمال معقودة على نقاشات «COP27» لانتصار الإنسانية في مناخ نظيف وبيئة نظيفة، لكن هذا يتطلب مجهوداً كبيراً من الدول الكبرى، من خلال التركيز على الاستثمار في الطاقة المتجددة والنظيفة طيلة العشرية القادمة، كما أوصى العلماء في معرض ردهم على تحليل التقييم الجديد الصادر عن الأمم المتحدة قبيل انطلاق قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ، والذي أكد على أن الجهود الجديدة لتقليص استهلاك الكربون ستشهد انخفاض الانبعاثات العالمية بمعدل أقل من 1 بالمئة بحلول 2030، بالحاجة خلال هذا العام إلى تقليص الانبعاثات بمعدل 45 بالمئة لإبقاء عتبة الارتفاع في درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، وهنا لا بد من التنويه إلى الدور الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات، كإشارة قوية إلى انخراطها في العمل المناخي الجاد منذ سنوات طوال، ودعمها جهود نشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة عالمياً وخير دليل على ذلك الشراكة التي جمعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، و«صندوق أبوظبي للتنمية»، وشركة مصدر، حيث تم خلالها تنفيذ العديد من المشاريع في الدول الجزرية للبحر الكاريبي، ودول الجزر في المحيط الهادي، بقيمة تمويلية بلغت 450 مليون دولار.
وعبر الاستثمار والشراكات الاستثمارية باتت شركة «مصدر» الإماراتية من أهم اللاعبين الدوليين في مجال مشاريع الطاقة المتجددة، وتدير حالياً محفظة مشاريع للطاقة المتجددة بقدرة إنتاجية تبلغ 11 جيجاواط في أكثر من 30 دولة حول العالم.
مسيرة طويلة
استكمالاً للمسيرة التاريخية الطويلة والمتميزة للإمارات منذ انضمامها لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في 1995، أعلنت الدولة خلال منتدى الاقتصادات الرئيسة بشأن الطاقة وتغير المناخ والذي انطلق في يونيو من عام 2022، عن استثمارات جديدة بقيمة أكثر من 50 مليار دولار خلال العقد المقبل لتعزيز جهود الدولة محلياً وعالمياً في العمل لأجل المناخ من خلال الطاقة النظيفة.
تسريع الاقتصاد الأخضر
ضمن مبادرات الإمارات، يأتي الإعلان عن تأسيس أول مشروع في المنطقة للمُسرِّعات المستقلة للتغير المناخي، وهو كيان مُستقل ومحايد للعمل المناخي سيجمع بين أعضاء من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك المؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية لدفع التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، حيث سيشكل مشروع مُسرِّعات العمل، أول هيئة مستقلة من نوعها على مستوى العالم.
وسيقدم المشروع المشورة المحايدة والإجراءات المقترحة إلى الأطراف المعنية بهدف تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050 في دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيتضمن المشورة وكل التوجيهات حول التحركات الإيجابية لمعالجة تغير المناخ وتقليل المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي على الدولة قبل «COP28» وخلالها وبعدها.
ويهدف المشروع إلى تسريع التحول إلى الاقتصاد الأخضر الذي سيكون ضرورياً لتحقيق هدف تصفير الانبعاثات وتنفيذ خطة المناخ التي التزمت بها دولة الإمارات، وسيتيح ذلك للاقتصاد الإماراتي الاستفادة من الزخم العالمي الذي يحيط بإجراءات معالجة التغير لمناخي، ويساعد في وضع سياسات الدولة لتحقيق التحول إلى الاقتصاد الأخضر والتأثير بصورة استراتيجية على إجمالي الناتج المحلي والنمو الاقتصادي الإماراتي.